عمر بن سعد ثقة صدوق عندهم؛ إذ كان يروي عن والده الصّحابيّ [الجّليل] ابن أبي وقّاص، والتّشكيك فيه وعدم نقل أحاديثه للخوف من عامّة النّاس وسخطهم!!

عمر بن سعد ثقة صدوق عندهم؛ إذ كان يروي عن والده الصّحابيّ [الجّليل] ابن أبي وقّاص، والتّشكيك فيه وعدم نقل أحاديثه للخوف من عامّة النّاس وسخطهم!!

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4163600300428929&show_text=true&width=500

أسباب تحفّظات البخاري على رواية الصّادق!!

ابن تيميّة: أسباب تحفّظات البخاري عن إخراج روايات الصّادق في صحيحه إنّما هو استرابته منها بسبب ما نقله عن يحيى القطّان!!

أقول: اتّهام أهل الكوفة بالكذب على الصّادق كلام مبالغ فيه كثيراً، وناتج من عدم تمييز نقّاد أهل السُنّة المتأخّرين بين شخصيّته الباطنيّة والظّاهريّة، ولهذا وقعوا في تهافتات عدّة أوجبت إسقاط حتّى صحاح النّصوص بموازينهم كما سنبيّن في محلّه، فتأمّل.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4019980194790941&show_text=true&width=500

تضعيف الصّادق من قبل من وصفوه بأمير المؤمنين في الحديث!!

ابن عديّ يُدرج الصّادق في كتابه الكامل في ضعفاء الرّجال وينقل عن أمير المؤمنين في الحديث ـ وفق وصف بعضهم له ـ يحيى القطّان قوله: في نفسي منه شيء!!

ننقل هذه النّصوص لكي يخرج الواعون من سطوة “شعيط ومعيط وجرّار الخيط” ممّن يغرّرون بالنّاس ويحسبون أنّ الاتّجاه الآخر لا شكّ ولا شبهة لديه في وثاقة أحاديث الصّادق وبقيّة الأئمّة من ولده، فتأمّل!!

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4017135741742053&show_text=true&width=500

القيمة الرّجاليّة لرواية الصّادق عند أحمد بن حنبل كما هو المرويّ عنه!!

القيمة الرّجاليّة لرواية الصّادق عند أحمد بن حنبل كما هو المرويّ عنه!!

أقول: وهذا الأمر يعود لأسباب عدّة تقدّم الحديث عنها فيما مضى، وأبرزها: تنوّع شخصيّته إلى باطنيّة وظاهريّة، فتأمّل.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fjamkirann%2Fposts%2F4013850632070564&show_text=true&width=500

عهد مالك الأشتر في ميزان التّحقيق!!

#لا يخفى عليك: أنّ صيغة العهد المعروف في الأوساط الاثني عشريّة والّذي يُدّعى أنّ عليّ بن أبي طالب كتبه إلى مالك الأشتر لم ترد في شيء من المجامع الرّوائيّة الاثني عشريّة المعتبرة على الإطلاق، وإنّما جاءت هذه الصّيغة لأوّل مرّة خالية من الإسناد في كتاب نهج البلاغة للشّريف الرّضيّ المتوفّى سنة: “406هـ”، وجاءت أيضاً في كتاب تحف العقول لابن شعبة الحرّاني النّصيري الّذي يُقال بأنّه من أبناء القرن الرّابع الهجري، وبين نقولاتهما اختلافات شديدة في الزّيادة والنّقصان، كما جاءت بعض مضامينه بلا أسناد أيضاً في النّسخة المطبوعة من كتاب دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري المتوفّى سنة: “363هـ” مع اختلافات عن نقولات غيره أيضاً، لكنّنا لا يمكننا الوثوق بنسخته المطبوعة والمعتمدة على نسخة كُتبت بعد خمسة قرون من وفاة مؤلّفه، وجاءت بعض فقراته مسندة ومختصرة في بعض النّسخ المطبوعة لبعض الكتب الأخرى وفيها اختلاف شديد أيضاً دون التّصريح باسم مالك الأشتر، من قبيل: المجالسة وجواهر العلم.
#نعم؛ نصّ النّجاشي المتوفّى كما هو المشهور سنة: “450هـ”، وشيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” في فهارسهما على وجود عهد لمالك الأشتر، وذكروا له طريقاً أيضاً، لكنّا لا ندري: هل المقصود من العهد الّذي أشاروا إليه هو عين المفردات والمضامين الّتي أوردها الشّريف الرّضي أو ابن شعبة الحرّاني النّصيري في كتابيهما أم يختلف عن ذلك، ومجرّد الاحتمال لا يشفع في تصحيح مضامين هذا العهد الواردة في هذه الكتب على الإطلاق حتّى لو صحّحنا هذه الأسانيد الواردة في فهارس النّجاشي والطّوسي بأيّ بيان من البيانات ولو عن طريق حكاية تعويض الأسناد مثلاً.
#ويعزّز هذا الاحتمال: إعراض المحمّدين الثّلاثة ـ وهم أصحاب الكتب الأربعة ـ عن ذكره في كتبهم، الأمر الّذي يحطّ بشدّة من قيمة المضامين الواصلة من هذا العهد، ويشي بتحفّظاتهم الشّديدة في هذا الخصوص، كما أنّ المضامين الواردة في هذا العهد الواصل لا تنسجم مع الّلحظة الزّمانيّة الّتي نشأ فيها عليّ بن أبي طالب، وهي مسبوكة ومحبوكة بطريقة العصر العبّاسي الّذي تكاثرت فيه هذه النّصوص وما يُضاهيها، لهذا نشكّك بقوّة في انتساب آحاد هذه المضامين إلى عليّ بن أبي طالب، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3388437167945250

الكليني فوق الوثاقة عندهم!!

#هناك من يحاول أن يسلّي نفسه، ويطيّب خاطرها، أو قل: يضحك عليها؛ وذلك حينما تنقل له رواية وردت في كتاب الكافي وهي صحيحة بالاتّفاق مثلاً، وقد عُمل بها، وأُفتي على أساسها، لكنّها في عرف العلم مهزلة ما بعدها مهزلة، فيقول لك في سياق هذه التّسليات: هذه موضوعة على الإمام، والإمام أجلّ من أن ينطق بمثل هذه الكلمات والمضامين، والكليني جاهل وضّاع كان يتسكّع في تجميع الرّوايات من أفواه الجاهلين والوضّاعين!!
#ليس لي في إجابة مثل هذه الهلوسات إلّا أن أقول: مؤسف أن أسمع مثل هذا الكلام من بعض الطّبقات المتعلّمة في واقعنا الاثني عشريّ، والّذين يعيشون أوهام الصّورة النمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة في أذهانهم خطأً عن الإمام، ويُريدون تصحيح وتضعيف الأخبار عن طريقها، وكأنّهم يمتلكون قناة مباشرة لمعرفة الإمام والتّواصل معه غير الكليني وأضرابه.
#أمّا شخص الكليني فهو فوق حدّ الوثاقة عندهم، وكتابه يُعدّ وفق المنظومة الدّينيّة الاثني عشريّة الكتاب الحديثيّ الأوّل، واعتبار الكتاب لا يحتاج إلى بيان، ولهذا نصّ زعيم الطّائفة الاثني عشريّة المفيد المتوفّى سنة: “413هـ” في وصفه قائلاً: «وهو من أجلّ كتب الشّيعة وأكثرها فائدة». [تصحيح اعتقادات الإماميّة: ص70].
#كما قرّر تلميذه شيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ”: «جليل القدر، عالم بالأخبار؛ ثقة، عارف بالأخبار، وله مصنّفات يشتمل عليها الكتاب المعروف بالكافي‏». [الرّجال: ص439؛ الفهرست: ص393].
#كما نصّ النّجاشي المتوفّى كما هو المشهور سنة: “450هـ” في ترجمته قائلاً: «وكان أوثق النّاس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يُسمى الكافي في عشرين سنة». [رجال النّجاشي: ص377].
#كما أنّ معظم مضامينه ـ سيّما الواردة عن الأئمّة المؤسّسين ـ لم تكن مستلّة من أفواه جهلاء هنا أو مجهولين هناك، وإنّما هي مأخوذة من كتب وأصول معروفة ومشهورة الانتساب لأصحاب الأئمّة وعلماء الشّيعة في ذلك الوقت، فتدبّر كثيراً قبل إطلاق كلامك ولا تكن من الجاهلين، فمن يتحمّل مسؤوليّة هذه النّصوص هم أصحابها لا غير، والله من وراء القصد.
لا يتوفر وصف للصورة.
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3342751069180527
  

صحّة أحاديث الكتب الأربعة عند مصنّفيها!!

#لا يخفى عليك: أنّ مصنّفي الكتب الأربعة ـ وهم من المؤسّسين الكبار للمذهب الاثني عشريّ ـ يؤمنون بصحّة أسانيد رواياتهم بمعنى سلامة انتساب مضامينها إلى أصحابها، وإذا ما كان لبعضهم ملاحظة عليها أو على مضمونها سجّل تحفّظه أو تعليقه أو تأويله في المكان نفسه، وعلى هذا الأساس نعبّر ـ حينما نُورد رواية من كتبهم ـ بالصّحيح عنده، أي الصّحيح عند الكليني أو الصّدوق أو الطّوسي، ولسنا معنيّين بحكمها الحديثيّ المخالف عند مقلِّدة مقلِّدتهم من المتأخّرين ومتأخّري المتأخّرين والمعاصرين.
#وإذا أردنا أن نوثّق هذا المدّعى ونقرّبه إلى الأذهان ببيان فلا يسعنا إلّا الاستعانة بكلمات الشّهيد الثّاني المستشهد سنة: “966هـ” حيث قال: «كان قد استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها الاُصول، وكان عليها اعتمادهم، ثمّ‌ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الاُصول، ولخّصها جماعة في كتب خاصّة تقريباً على المتناول، وأحسن ما جُمع منها: كتاب الكافي لمحمّد بن يعقوب الكليني، والتّهذيب للشيخ أبي جعفر الطّوسي، ولا يُستغنى بأحدهما عن الآخر؛ لأنّ‌ الأوّل أجمع لفنون الأحاديث، والثّاني أجمع للأحاديث المختصّة بالأحكام الشرعيّة. وأمّا الاستبصار: فإنّه أخصّ‌ من التّهذيب غالباً فيمكن الغنى عنه به. وكتاب من لا يحضره الفقيه حسنٌ أيضاً، إلاّ أنّه لا يخرج عن الكتابين غالباً». [الرّعاية في علم الدّراية: ص72].
#ومن باب المثال: فإنّ كتاب الكافي يُعدّ بمثابة الرّسالة العمليّة الفتوائيّة للكليني المتوفّى سنة: “329هـ”، ولم يُورد فيه إلّا المضامين الّتي يطمئن بصحّتها وسلامتها كما هو ظاهر بل نصّ مقدّمته، وحتّى إذا لاح بين بعضها تعارض فلا يعني ذلك صحّة أحدها وكذب انتساب الآخر وفقاً لبيانه، بل يعني صدورهما معاً، وبأيّهما عمل المكلّف من باب التّسليم وسعه؛ لأنّ الصّادقين “ع” كانوا قاصدين لذلك على تفصيل ليس هنا محلّ ذكره، والشّواهد الرّوائيّة تؤكّد مختاره.
#ولهذا نصّ المجلسيّ الأب المتوفّى سنة: “1070هـ” على ما ترجمته: «يمكن أن يقال: إنّ مراسيل الكليني والصّدوق بل جميع أحاديث الكافي والفقيه صحيحة؛ وذلك لأنّ شهادة هذين الشّيخين الجليلين لا تقلّ حتماً عن شهادة الرّجاليّين بل هي أفضل منها؛ وذلك لأنّ وصفهما للأخبار بالصحّة أي تيقّنهما بوجه من الوجوه بصدورها من الأئمّة المعصومين “ص”، أمّا وصف المتأخّرين لها بالصحّة فمعناه توثيق رواتها فقط، واحتمال كذب أو سهو كلّ واحد منهما وارد». [لوامع صاحبقرانى، بالفارسيّة: ج1، ص105].
#وهذا يؤكّد: أنّ تصحيحهم لتلك الأخبار واعتمادهم عليها لم ينشأ من حدس واجتهاد لكي يُقال بأنّ حدسهم واجتهادهم ليس حجّة على غيرهم، بل هو ناتج في الأعمّ الأغلب ـ وهذا قيد مهمّ لإخراج بعض الشّواهد البسيطة عند الصّدوق والطّوسي ـ عن حسّ ومعطيات، كما أنّ تعبير الكليني في مقدّمة الكافي بإيراد الآثار الصّحيحة عن الصّادقين “ع” في كتابه لا يعني أنّه قد خلط فيه بينها وبين غيرها وعلى المكلَّف أن يسلك المناهج الحديثيّة في اكتشافها والتّرجيح فيما بينها كما يدّعي بعضهم، وإنّما يعني: أنّه أودع في كتابه ما صحّ لديه من آثار عن الصّادقين “ع”، إمّا بالمباشرة ـ كما في الرّوايات المتّصلة بهم ـ أو بالواسطة أيضاً ـ كما في بعض ما رواه عن غيرهم ـ، وهذا هو معنى استجابته لتوفير كتاب «كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدّين، ما يكتفي به المتعلّم، و يرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدّين والعمل به بالآثار الصّحيحة عن الصّادقين “ع”…». [مقدّمة الكافي]، نعم؛ ينبغي أن يُحصر ذلك في غير ما روي عن الأئمّة المتأخّرين جدّاً ومكاتباتهم.
#ولنعم ما قال المحدّث البحراني المتوفّى سنة: “1183هـ” وهو يتحدّث عن هذه الحقيقة، منتقداً من يرى غيرها، مقرّراً: «ولم يتفطّنوا نوّر الله تعالى ضرائحهم إلى: أنّ هذه الأحاديث الّتي بأيدينا إنّما وصلت لنا بعد أن سهرت العيون في تصحيحها، وذابت الأبدان في تنقيحها، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان، وهجروا في تنقيتها الأولاد والنّسوان، كما لا يخفى على من تتبع السّير والأخبار، وطالع الكتب المدوّنة في تلك الآثار؛ فإنّ المستفاد منها على وجه لا يزاحمه الرّيب ولا يداخله القدح والعيب: أنّه كان دأب قدماء أصحابنا المعاصرين لهم “ع” إلى وقت المحمدين الثلاثة [الكليني والصّدوق والطّوسي] ـ في مدّة تزيد على ثلاثمائة سنة ـ ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمّة “ع”، والمسارعة إلى إثبات ما يسمعونه، خوفاً من تطرّق السّهو والنّسيان، وعرض ذلك عليهم. وقد صنّفوا تلك الأصول الأربعمائة المنقولة كلّها من أجوبتهم “ع”، ولهذا ما كانوا يستحلّون رواية ما لم يجزموا بصحته. وقد روي أنّه عرض على الصادق “ع” كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي، فاستحسنه وصحّحه، وعلى العسكري “ع” كتاب يونس بن عبد الرحمن وكتاب الفضل بن شاذان فأثنى عليهما. وكانوا “ع” يوقفون شيعتهم على أحوال أولئك الكذّابين، ويأمرونهم بمجانبتهم، وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب العزيز والسنّة النبوية، وترك ما خالفهما». [الدّرر النّجفيّة: ج2، ص315، ط دار المصطفى؛ الحدائق النّاضرة: ج1، ص9ـ 10، ط مؤسّسة النّشر الإسلامي].
#وما تقدّم من بيان في إيمان مصنّفي هذه الكتب بصحّة انتساب مضامينها إلى من نُسبت إليه، لا يؤدّي إلى ضرورة الالتزام بمضمونها دون تبعيض وانتقاء لمن لا يعتقد بحجيّة أقوال من نُسبت إليه؛ إذ قد بيّنا في دراسات سابقة: أنّ الإمامة الإلهيّة والعرض العريض المترتّب عليها لا يُمكن إثباته من خلال روايات الشّخص ومرويّاته، أمّا ثبوت هذه الرّوايات عنهم، أو الإيمان بحقّانيّة مرويّاتهم عن الآخرين في غير إمامتهم، أو وثاقة رجال أسانيدها الطّريق الموصل إليهم، فهذا حديث آخر ينبغي أن يقدّر بقدره.
#وصفوة القول: علينا أن نعترف أنّ جملة وافرة من النّصوص الواردة في الكتب الأربعة ـ سيّما الفقهيّة منها ـ قد صدرت من الأئمّة المؤسّسين، ولا معنى لقبول ما ينسجم مع الإطار الاثني عشريّة بصيغته المتداولة وطرح الباقي بدعوى امتناع صدوره أو لعدم انسجامه مع هذا الإطار؛ وذلك لأنّ مؤسّسي هذا الإطار أنفسهم لم يروا أيّ حراجة في قبول هذه النّصوص وإدراجها في مصنّفاتهم والإفتاء على أساسها أيضاً، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

آليات الكليني والصّدوق في تصحيح الأخبار!!

#يبدو لي أنّ سذاجة الدّرس الرّجاليّ الرّسمي في حوزاتنا المعاصرة وعدم الاعتناء به بشكل تحصيليّ دقيق ـ سوى اهتمامات تقليديّة متناثرة في أروقة بعض الدّروس الفقهيّة ـ ولّدت جيلاً حوزويّاً مشوّهاً لا يفقه تراثه ولا يعرف مناهج مصنّفيه، فيتوهّم إمكانيّة رمي الرّواية بالضّعف لمجرّد مراجعة البرامج الكمبيوتريّة أو معجم رجال الحديث، وحينما تنقل له رواية من الكلينيّ والصّدوق وتنصّ على صحّتها عندهم لا يفقه لغة القيود الّتي نوظّفها للإشارة لذلك ويبادر لاستخدام طريقة المتأخّرين في التّصحيح والتّضعيف، وكأنّ أولئك المصنّفين كانوا قد تفطّنوا لتصنيفاته الرّجاليّة المتأخّرة ونظموا كتبهم على هذا الأساس، بل يذهب المتنطّعون إلى ما هو أكثر من ذلك فيدّعون: إنّ همّ أولئك الأوائل كان الجمع والتّصنيف فقط من غير أن يؤمنوا بصحّة مضامينها!!
#وفي هذا السّياق أجد من الضّروري الإلماع إلى أنّ متقدّمي الأصحاب ـ كما هو المشهور ـ لم يكونوا يؤمنون برباعيّة التّقسيم الرّجالي المعروفة في أعصارنا من صحيح وضعيف وموثّق وحسن، وإنّما كانوا يؤمنون بثنائيّته فقط؛ بمعنى: إنّ الحديث عندهم إمّا صحيح وإمّا ضعيف، وإنّ قصّة التّصنيف الرّباعي للأحاديث لم تتسرّب إلى واقعنا الإثني عشريّ إلّا في القرن السّابع الهجريّ في أيّام السيّد أحمد بن طاووس المتوفّى سنة: “673هـ” وتلميذه العلّامة الحلّي المتوفّى سنة: “726هـ”؛ لمبرّرات لا مجال للحديث عنها في هذه العجالة.
#وقد نصّ المختصّون من أعلامنا على أنّ هذا الاصطلاح ـ أعني التّقسيم الرّباعي ـ «لم يكن معروفا بين قدمائنا “قدّه” كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والرّكون اليه»، وذلك كأن يوجد في كثير من الأصول الأربعمائة الّتي نقلها الأصحاب عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة، أو كان متكرّراً في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة، أو كان موجوداً في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الّذين أجمعوا على تصديقهم، أو أخذ من أحد الكتب الّتي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها سواء أ كان من الإماميّة أو غيرهم. [مشرق الشّمسين: ص26]،
#ولا أريد أن أفيض في هذا الموضوع ـ فهناك تفاصيل كثيرة حول معنى الصّحيح عند القدماء وآليّاتهم في ذلك يجدها المتابع في محلّه ـ وإنّما يهمّني التّنبيه على شخصيّتين تُعدّ مصنّفاتهما الأساس الأوّل لبناء المذهب الإثني عشريّ، وأعني بهما الكلينيّ المتوفّى سنة: “329هـ” والصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ”؛ لأشرح طريقتهما في تصحيح الرّوايات المُدرجة في مصنّفاتهما فأقول:
#أمّا الكلينيّ فقد نصّ في مقدّمة كتابه الشّهير المُسمّى بالكافي ـ والّذي يُعدّ الكتاب الحديثيّ المعتبر الأوّل لدى الطّائفة الإثني عشريّة ـ قائلاً وهو يشرح أسباب ودواعي تأليفه له: «وقلت: إنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع من جميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه المسترشد، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به، بالآثار الصحيحة عن الصادقين “ع”، والسُّنن القائمة الّتي عليها العمل، وبها يؤدّي فرض الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه “ص”، وقلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سبباً يتدارك الله بمعونته وتوفيقه إخواننا، وأهل ملّتنا، ويقبل بهم إلى مراشدهم… [إلى أن قال]: وقد يسرّ الله ـ وله الحمد ـ تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخّيت…إلخ». [مقدّمة الكافي]، ولا شكّ في أنّ هذه المفردات قاطعة للشّك في كون جميع ما ورد فيه من الصّحاح عنده دون شكّ وريب، وبالتّالي فحينما نعبّر صحيحاً عنده فينبغي أن يُفهم هذا القيد جيّداً ومن دون وساوس.
#أمّا المرحوم الصّدوق فالأمر لمن عرف منهجه وخبر تراثه أوضح وأجلى؛ فإنّ المعهود من طريقته والمألوف من عادته إنّه إذا ذكر خبراً ولم يسجّل تحفّظاً على متنه أو سنده فهذا يعني الحكم بصحّته والإفتاء به أيضاً، ولعلّ أفضل من شرح ذلك وأفاض فيه هو الفقيه يوسف البحراني المتوفّى سنة: “1186هـ” في حدائقه النّاضرة حيث قال وهو يشرح منهج المرحوم الصّدوق في التّصنيف والتّصحيح والتّضعيف:
#فإنّ المعلوم من عادته في كتبه ومصنّفاته أنّه لا ينقل من الأخبار إلّا ما يعتمده ويحكم بصحّته متناً وسنداً ويفتي به، وإذا أورد ما هو بخلاف ذلك نبّه على العلّة فيه، وذيّله بما يشعر بالطعن في متنه أو سنده، وهذا المعنى وإن لم يصرح به إلّا في الفقيه [أي كتابه: من لا يحضره الفقيه]، إلّا إنّ المتتبّع لكتبه ومؤلفاته، والنّاظر في جملة مصنفاته، لا يخفى عليه صحّة ما ذكرناه، وحيث إنّ هذا الكلام مّما يكبر في صدور القاصرين سيما المعاصرين [بل والجاهلين في أيّامنا]، فيقابلونه بالإنكار والصدّ والاستكبار، فلا بأس لو أرخينا العنان للقلم في الجري في هذا الميدان، بنقل جملة من المواضع الدّالّة على ما ذكرناه ساعة من الزمان، وإن طال به زمام الكلام؛ فإنه أهم المهام…إلخ [حيث بدأ بذكر شواهد هذا المدّعى من تراث المرحوم الصّدوق فراجع وتأمّل]». [الحدائق النّاضرة: ج23، ص547].
#وعلى هذا الأساس: فحينما ننقل رواية من المرحوم الصّدوق ونقرّر أنّها صحيحة عنده فينبغي أن يؤخذ الكلام أعلاه بعين الاعتبار، ولا تُكرّر علينا كلمات متأخرة في نقض ذلك.
#وأخيراً: أتمنّى أن تكون هذه السّطور ـ رغم إجمالها ـ درساً بليغاً لمن تسوّل له نفسه التّهريج على صاحب هذه السّطور والتّشويش على طروحاته من خلال استعراض أوصاف التوثيق والتّضعيف المتأخّرة في وصف روايات المتقدّمين؛ لأنّ الصّفحة واعية للموضوع بشكل تامّ ولهذا حرصت كلّ الحرص على تقييد كلامها بمفردات “عندهم” وأضرابها، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر

صدق الصّدوق أزمة مذهبيّة عميقة!!

#في سياق ترجمته لشيخه وأستاذه حمزة بن محمّد العلويّ الزّيدي القزويني المتوفّى سنة: “346هـ” نصّ الحاكم النّيسابوريّ المتوفّى سنة: “405هـ” قائلاً بعد أن مدحه مدحاً عظيماً لنشره محاسن الخلفاء والمهاجرين والأنصار والذبّ عنهم وإنكار الوقيعة فيهم: «سمعته وجرى بحضرته ذكر يزيد بن معاوية فقال: “أنا لا أكفر يزيد؛ لقول رسول الله “ص”: إنّي سألت الله أن لا يُسلط على أمّتي أحداً من غيرهم فأعطاني ذلك». [تاريخ نيسابور للحاكم النّيسابوري كما نقل ذلك عنه أنساب السّمعاني وتدوين القزوينيّ وسنفصّل الحديث عن ذلك في مقال قادم إن شاء الله تعالى].
#ورغم مجهوليّة حال حمزة بن محمّد العلويّ في كتب التّراجم الإثني عشريّة، لكنّا نلاحظ: إنّ السيّد السّيستاني وجملة من الأعلام الإثني عشريّة المعاصرين فضلاً عن المتقدّمين يوثّقونه ويعتمدون رواياته أيضاً؛ وذلك لأنّهم يعتبرون أنّ ترضّي الصّدوق عليه كاشف عن وثاقته وجلالة قدره؛ حيث روى الصّدوق عدّة روايات عنه وجملة وافرة منها من تفرّداته، مدّعياً لقاءه به وتحديثه بها في قم سنة: “339هـ”.
#ولكن أ لم يسأل السّيد السّيستاني ورفاقه أنفسهم: كيف تمكّن الصّدوق من الّلقاء بحمزة بن محمّد العلوي الزّيدي في قم والرّجل كان مسجوناً في بخارى ما بين عام: “337هـ” وحتّى عام: “339هـ”، وبقي تحت المراقبة والإقامة الجبريّة فيها حتّى استأذن للعودة إلى نيسابور فأُذن له سنة: “340هـ”، وهكذا ظلّ مقيماً فيها إلى أن مات سنة: “346هـ” كما نصّ على ذلك تلميذه المبرَّز الحاكم النّيسابوريّ؟!
#بلى؛ هذه الحقائق وغيرها الكثير ممّا قدّمناه وممّا سيأتي تفرض على الباحث الجادّ والمحايد والموضوعيّ الّذي تهمّه الحقيقة كما هي: ضرورة إعادة النّظر مليّاً في مرويّات الصّدوق بل في وثاقته أيضاً؛ فالرّجل أمره مريب وغريب وعجيب، ويبعث الشّكوك كثيراً خصوصاً في تفرّداته الّلافتة؛ إذ لا يتوانى قيد أنملة في إسقاط خلفيّاته العقائديّة ورؤيته الآيدلوجيّة على النّصوص وأسانيدها، تركيباً وإسقاطاً وحتّى تعديلاً، لذا فالحكم بوثاقته بدعوى ولادته بدعاء الحجّة كلام مذهبيّ ساقط عن الاعتبار ناتج من ضيق الخناق، وكيف يكون ذلك وتراثه الّذي حكم بصحّته مملوء بالأساطير والحكايات والرّواية عمّن ثبت ضعفه ووهنه أيضاً، فتأمّل كثيراً عسى أن يرفع الله عن قلبك الغشاوة فترى بصيصاً من نور الحقيقة، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#وثاقة_الصّدوق

مقتل عليّ “ع” واستغلال المذهبيّين له!!

#بعد أن أتمّ الرّسول “ص” خطبته المشهورة في الأوساط الإثني عشريّة المعاصرة والّتي تتحدّث عن شهر رمضان وفضيلة الصّوم كما تفرّد بنقلها المرحوم الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ”، قام له عليّ “ع” فقال له: «يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟»، فقال له “ص”: «يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ، ثمّ بكى»، فقال له عليّ “ع”: «يا رسول الله ما يبكيك؟»
#فقال “ص”: «يا عليّ أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك»، فقال له عليّ “ع”: «يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟»، فقال “ص”: «في سلامة من دينك، ثمّ قال: يا عليّ من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبّك فقد سبّني؛ لأنّك منّي كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وإيّاك، واصطفاني وإيّاك، واختارني للنبوّة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي، يا عليّ أنت وصيّي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمّتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوّة و جعلني خير البريّة، إنّك لحجّة الله على خلقه وأمينه على سرّه وخليفته على عباده». [عيون أخبار الرّضا: ج1، ص403، ط مؤسسة آل البيت؛ الأمالي: ص94].
#أقول: بيّنا في دراسات سابقة حملت عنوان: «شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله من الموضوعات» إنّ أصل هذه الخطبة من المنحولات الموضوعات على رسول الله “ص” فضلاً عن ذيلها معلوم الوضع سلفاً، وقد أوضحنا هناك: إنّ أصل هذه الخطبة قد تفرّد الصّدوق بروايتها عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه عن الرّضا “ع” عن آبائه “ع” عن عليّ “ع” عن رسول الله “ص” مع جملة وافرة من الأخبار الأخرى، وقد أوضحنا بمزيد من الشّواهد المتّسقة هناك: عدم ثبوت رواية عليّ بن فضّال عن أبيه لأسباب موضوعيّة كشفنا عنها مفصّلاً في الدّراسات المُشار إليها، وبالتّالي: فلا يمكن التّصديق بصحّة صدورها فراجع ولا نعيد.
#أتمنّى على الخطباء الّذين تهمّهم الحقيقة ـ دون غيرهم ـ أن لا يعمدوا إلى نقل مثل هذه الخطبة على منابرهم وإبكاء النّاس وتزييف وعيهم عن طريقها وإن كان الأمر بلسان الحال أو ما شابه ذلك؛ فالأكاذيب تبقى أكاذيب حتّى وإن زوّقتها ونحتّت مبرّرات صناعيّة لتمريرها، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#وثاقة_الصّدوق

شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله من الموضوعات!! الحلقة الثّانية

#العاشر: بعد أن أيّد السيّد السّيستاني قول النّجاشي في نفي رواية عليّ بن فضّال عن أبيه، وإنّ ما أفاده «تعريض بعدم صحّة هذا السند [القمّي] من جهة أنّ عليّاً من الكوفيّين، فكيف لا يعرف إسناده تلامذته ويعرفه القميون»، أقول: بعد أن أيّد السّيستاني ذلك عاد ليذكّر بمحاولة أستاذه الخوئي الرّامية للجمع بين نقل النّجاشي الّذي نفى رواية عليّ بن فضّال عن أبيه وبين ما ورد في كامل الزّيارات من الرّواية، وذلك من خلال طرح احتمال أن يكون عليّ بن فضّال كان يتمنّع عن رواية أخبار الأحكام عنه أبيه نظراً لأهمّيتها ومخافة الاشتباه فيها، بينما يعمد إلى نقل أخبار الزّيارة لعدم وجود مثل هذه المحاذير فيها، وعن هذا الطّريق حاول أن يرفع القدح الّذي يرد على مبناه في توثيق رجال كامل الزّيارات، لكنّ السّيستاني لم يقبل مثل هذا التّوجيه ووصفه بالضّعيف؛ وذلك لمنافاته مع ما ذكره النّجاشي في هذا الخصوص. [موسوعة مؤلّفات السّيستاني: ج9، ص110ـ111].
#الحادي عشر: ضعّف الشّيخ آصف محسني مختار أستاذه في هذا المجال مدّعياً ضعف دليله؛ وذلك انسياقاً مع مبنى الوثاقة قائلاً: «فإذا كان الواسطة بين الصدوق وابن عقدة ثقة أو حسناً لابد من الأخذ بالرّواية… وما نقله النجاشي غير مسند، وقبول توثيقاته المُرسلة لايستلزم قبول كلّ ما ارسله من منقولاته، وأمّا أن الكوفيّين لايعرفون هذه النّسخة فهو كلام مجمل من هؤلاء الكوفيّون؟ وكيف لايعرفونها؟ وما هو وجه اشتراط معرفتهم لاعتبار الروايات؟». [معجم الأحاديث المعتبرة: ج2، ص65].
#الثّاني عشر: الظّاهر إنّ كلام الشّيخ آصف محسني غير قابل للتّصديق والفهم؛ فإنّ عدم معرفة الكوفيّين بهذه النّسخة ليس ناتجاً من إيمانهم بسلامة روايتها وإنكارهم لها، وإنّما لعدم تعقّلهم روايتها من الأساس؛ لأنّ أهل مكّة أدرى بشعابها، ومن ثمّ جزموا بعدم رواية عليّ بن فضّال ابن جلدتهم ومنطقتهم عن أبيه هذه المضامين أصلاً، ومن المؤسف أن ينساق المحسني مع مبنى الوثاقة إلى الأخير دون تدقيق وتمحيص ولو في مضامينها، ومع هذا نراه يخفق في قبول متون الرّوايات المبتلاة بآفات كثيرة ومنها روايات هذا الباب، فيبدأ إمّا بالتّوجيه والتأويل الّذي لم يُنزل الله به من سلطان والّذي لا يقنع حتّى صاحبه أيضاً، وإمّا بذكر عبارة نُرجع علمها إلى أهلها ويُغلق الباب على نفسه، ومن يُراجع كلمات المحسني في ذيل معظم روايات هذه النّسخة يجدها من هذا القبيل أيضاً؛ لأنّه يجد فيها مضامين لا يمكن تأويلها أو تفسيرها.
#الثّالث عشر: روى الكلينيّ المتوفّى سنة: “329هـ” عن «أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسين، عن محمّد بن الحسين، عن أبيه، قال: كتبت إلى أبي الحسن “ع” ما تقول في التّلطّف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب: لا بأس بالجامد»؛ كما نقل الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” هذه الرّواية عينها من الكليني دون إشارة لاسمه بالسّند التّالي: «أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسن، عن أبيه، قال…»، وهو أمر حدا بالمرحوم الخوئي لافتراض طريقين للرّواية أحدهما للكلينيّ وثانيهما للطّوسي، لكنّ الغريب إنّه رغم تحفّظه البالغ على رواية ابن فضّال عن أبيه ولو في خصوص القضايا الفقهيّة كما أسلفنا نراه يغفل هذا المطلب ويعتقد باعتبار السّند بناءً على طريق الطّوسي ويفترض إنّ عليّ بن الحسن الوارد في طريق الطّوسي هو ابن فضّال. [مستند العروة الوثقى: ج21، ص241].
#الرّابع عشر: لا يمكن الاستناد إلى رواية الحقن بالجامد بصيغتها الواردة في التّهذيب للإيمان بإمكانيّة رواية عليّ بن فضّال عن أبيه؛ لأنّنا نلتزم بسقوط الواسطة بينه وبين أبيه، وقرينة ذلك هو الرّواية الّتي نقلها الطّوسي عن الكليني في الباب نفسه وبعد رواية واحدة فقط من الرّواية محلّ البحث والّتي جاء سندها بالنّحو التّالي: «محمّد بن يعقوب الكليني، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحسن، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه…»، وعليه فلا صحّة لرواية عليّ بن فضّال عن أبيه مباشرة بناءً على افتراض وحدة طريق الرّوايتين كما هو الرّاجح جدّاً.
#الخامس عشر: حاول بعضهم أن ينقض كلام ابن الغضائريّ “الإبن” الّذي نفى سماع الكوفيّين لهذه النّسخة القميّة؛ وذلك من خلال نقل كلام النّجاشي في ترجمة أحد الرّواة الّذين رووا بعض ما جاء في هذه النّسخة وإنّه من أهل الكوفة وهو: محمّد بن بكران، وبالتّالي: فكيف يدّعي ابن الغضائريّ الإبن عدم سماع الكوفيّين لها!! لكنّ هذا النّقض مدفوع بما ذكره الطّوسي في ترجمة محمّد بن بكران نفسه، حيث أفاد بأنّه من أهل قم، [رجال الطّوسي: ص444]، وبالتّالي: فإنّ الرّجل من أهل قم لا الكوفة، وسكنه لفترة ما في الكوفة لا يعني إنّه من أهلها، ولا يعني: إنّ تحديثه بأحاديث عن محدّثي أهل الكوفة لم يسمع بها أهل هذه المدينة الأصليّين يوجب بطلان كلامهم في نفيها وعدم سماعها.
#السّادس عشر: ما جاء في بصائر الدّرجات المطبوع من رواية عليّ بن فضّال عن أبيه داخل في ضمن الكبرى الكوفيّة النّاصّة على عدم معروفيّة رواية عليّ بن فضّال عن أبيه، ومن خلال فحص هذه الرّوايات نجدها مذهبيّة بامتياز، والظّاهر إنّها: روايات قميّة رُكّبت لها أسانيد كوفيّة لأغراض اقتضتها المرحلة، كما إنّ ما جاء في أمالي الطّوسي وفلاح السّائل مبتلى بالإشكال نفسه.
#السّابع عشر: أمّا رواية ابن الزّبير عن عليّ بن فضّال عن أبيه كتاب أبي داود المسترق فلا يدلّ على رواية ابن فضّال عن أبيه؛ فقد تكون من قبيل ما ذكره النّجاشي نفسه حينما نصّ قائلاً: «ورأيت جماعة من شيوخنا يذكرون الكتاب المنسوب إلى علي بن الحسن بن فضال المعروف بـ “أصفياء أمير المؤمنين “ع” “، ويقولون: إنّه موضوع عليه، لا أصل له، والله أعلم. قالوا: وهذا الكتاب أُلصق روايته إلى أبي العبّاس بن عقدة وابن الزّبير، ولم نر أحداً ممّن روى عن هذين الرجلين يقول قرأته على الشّيخ، غير أنّه يُضاف إلى كلّ رجلٍ منهما بالإجازة حسب» [النّجاشي: ص258]، فقد تكون رواية ابن عبدون عن ابن الزّبير من هذا القبيل، هذا فضلاً عن عدم ثبوت وثاقة ابن الزّبير عندهم.
#الثّامن عشر: نقل الكشّي المتوفّى سنة: “327هـ” روايتين عن عليّ بن فضّال عن أبيه في رجاله، الأولى: تتحدّث عن ترحّم الصّادق “ع” على بكير بن أعين، والثّانية: عن مدح الجّواد “ع” لكتاب يونس بن عبد الرّحمن، وبغضّ الطّرف عن حقّانيّة وعدم حقّانيّة هذه الرّوايات خصوصاً الثّانية منها فهي في نهاية المطاف ليست أحكاماً شرعيّة أو نصوصاً عقائديّة، وإنّما أخباراً عاديّة أشبه بالحكايات الّتي يمكن لصبيّ أن ينقلها فضلاً عن شخص في عمر الثّامنة عشر كعليّ بن فضّال؛ لذا لا دلالة لمثل هذه النّصوص الرّوائيّة على تصحيح نسخة القمّيين وادّعائهم الرّواية المباشرة لعليّ بن فضّال عن أبيه.
#التّاسع عشر: حين مراجعة عموم الأسانيد الواصلة في عموم الكتب النّاصّة على رواية عليّ بن فضّال عن أبيه نجدها مقتصرة على العنعنة، أمّا روايته عن أبيه بلفظ: حدّثنا، أو أخبرنا، أو السّماع، أو غير ذلك ممّا هو صريح أو ظاهر في المباشرة فلا وجود له في موضعٍ منها، من هنا فربّما يذهب ذاهب ـ كما ذهب أيضاً ـ إلى إنّ تمنّع عليّ بن فضّال من الرّواية عن أبيه إنّما يقتصر على عدم روايته بالصّيغة الصّريحة أو الظّاهرة في التّحمل عنه بالسماع أو القراءة، أما تحمّله عنه بالإجازة أو المناولة أو الوجادة أو سائر طرق التّحمّل فلا دلالة في تصريحه الّذي نقله النّجاشي عنه في نفيه، لكنّ هذا التأويل لا شاهد عليه غير وجود هذا الكمّ الكبير من الرّوايات في تراث القمّيين؛ مع أنّ قبول مثل هذه النّصوص الكثيرة مع نفي الكوفيّين لها محلّ نظر وتأمّل، خصوصاً وإنّ من تفرّد برواية معظمها هو ابن عقدة، والّذي يُعرف بين رجاليّي أهل السُنّة بروايته لنسخ غريبة غير متطابقة مع أصولها، وإنّ بلاءه الوجادات [لسان الميزان: ج1، ص604].
#العشرون: من يُراجع كتب الرّجال والتُراجم السُنيّة يجدها متّفقة تقريباً على تساهل ابن عقدة في رواية النّسخ الّتي يُشكّ في مقابلتها على أصول معتمدة، وهو الّذي اصطلحوا عليه برواية الغرائب، وقد نقلوا عنه حكايات تعمّد هذا المضمون؛ إذ سأل الدّارقطني المتوفّى سنة: “385هـ” «أبا الحسن محمّد بن أحمد بن سفيان بن حماد الحافظ بالكوفة عن ابن عقدة، فقال: دخلت إلى دهليز بن عقدة وفيه رجل كان مقيماً عندنا يقال له: أبو بكر البستي، وهو يكتب من أصل عتيق: حدثنا محمّد بن القاسم السّوداني، حدّثنا أبو كريب، فقلت له: أرني، فقال: قد أخذ عليَّ ابن سعيد أن لا يراه معي أحد، فرفقت به حتّى أخذته منه، فإذا أصل كتاب الأشناني الأوّل من مسند جابر وفيه سماعي، وخرج ابن سعيد وهو في يدي، فجرد على البستي وخاصمه، ثمّ التفت إليّ فقال: هذا عارضنا به الأصل، فأمسكت عنه…إلخ». [سؤالات حمزة السّهمي للّدارقطني: ص160]، من هنا فرواية مثل هذه النّسخة القميّة عن عليّ بن فضّال لم يكن يعرفها الكوفيّون أنفسهم منسجم تماماً مع هذه الدّعوى.
#الحادي والعشرون: لم ترد هذه الخطبة في أيّ مصدر سُنّي أو شيعيّ آخر في حدود المتابعة الوافرة، نعم؛ روى بعضهم عن سلمان الفارسي ما يشبه بعض أجزاء هذه الخطبة، لكنّهم ضعّفوا أسنادها وحكموا بنكارة بعض مضامينها أيضاً.
#فتحصّل ممّا تقدّم: عدم إمكان تصحيح هذه الخطبة وما روي عن طريقها أيضاً، وإنّ أصل ما ذهب إليه ابن الغضائريّ والنّجاشي واختاره المرحوم الخوئي هو المعتمد، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#وثاقة_الصّدوق

شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله من الموضوعات!! الحلقة الأولى

#ثمّة خطبة مشهورة الانتساب إلى رسول الله “ص” في أوساطنا الإثني عشريّة المعاصرة تتحدّث عن فضيلة شهر رمضان وثواب الصّيام فيه مع نهاية مذهبيّة حزينة، والّتي جاء في مطلعها: إنّ عليّ بن أبي طالب “ع” حدّث فقال: «إنّ رسول الله “ص” خطبنا ذات يوم فقال: “أيّها النّاس، إنّه أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الّليالي، وساعاته أفضل السّاعات، وشهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة‏…إلخ». [عيون أخبار الرّضا: ج1، ص402، ط مؤسسة آل البيت؛ الأمالي: ص93].
#لكنّ المؤسف إنّ هذه الخطبة ـ وجملة وافرة من الرّوايات المرويّة عن طريقها ـ من المكذوبات المنحولات الموضوعات على رسول الله “ص” دون شكّ وريب؛ وشرح ذلك يمرّ من خلال تقديم مجموعة إيضاحات:
#الأوّل: لقد تفرّد المرحوم الصّدوق برواية هذه الخطبة عن طريق السّند التّالي: «عن محمّد بن بكر بن النّقّاش، وأحمد بن الحسن القطّان، ومحمّد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي، ومحمّد بن إبراهيم بن إسحاق، جميعاً قالوا: حدّثنا أبو العبّاس بن أحمد بن محمّد بن سعيد الهمدانيّ مولى بني هاشم، قال حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا “ص”، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن عليّ، عن أبيه زين العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيّد الشّهداء الحسين بن عليّ، عن أبيه سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب “ع”»، كما روى جملة من الرّوايات الأخرى عن طريق هذا السّند أيضاً، لكنّه رواه عن شيخه محمّد بن إبراهيم بن إسحاق فقط من دون بقيّة مشايخه الثّلاثة.
#الثّاني: سنغمض الطّرف مؤقّتاً عن مشايخ الصّدوق الأربعة المباشرين، وعن شيخهم الّذي ادّعوا سماعهم المباشر منه أعني: ابن عقدة الكوفيّ الزّيديّ الجاروديّ المولود سنة: “249هـ” والمتوفّى سنة: “332هـ” أيضاً، ونقصر النّظر على رواية عليّ بن فضّال عن والده، وعلى رواية والده عن الرّضا “ع” أيضاً.
#الثّالث: نصّ النّجاشي المتوفّى كما هو المشهور سنة: “450هـ” في ترجمة عليّ بن فضّال قائلاً: «كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه. سُمع منه شيئاً كثيراً، ولم يُعثر له على زلّة فيه ولا ما يشينه، وقلّ ما روى عن‏ ضعيف، وكان فطحيّاً، ولم يرو عن أبيه شيئاً، وقال: “كنت أقابله وسنّي ثمان عشرة سنة بكتبه ولا أفهم إذ ذاك الرّوايات ولا أستحل أن أرويها عنه”، وروى عن أخويه عن أبيهما» [ص257]، وعلى هذا الأساس فكيف يُريدنا الصّدوق أن نصدّق برواية عليّ بن فضّال مثل هذه الخطبة وعشرات من المرويّات الأخرى عن أبيه ما دام الرّجل قد التزم بعدم رواية شيء عن والده بشكل مباشر أصلاً؟!
#الرّابع: لا يقتصر الأمر على هذا الشّاهد في استبعاد صحّة مثل هذه الخطبة، بل يذهب الموضوع إلى ما هو أعمق منه؛ حيث روى النّجاشي عن شيخه أو زميله ابن الغضائريّ “الإبن” قوله: «وذكر أحمد بن الحسين [الغضائريّ] “رحمه الله” أنّه رأى نسخة أخرجها أبو جعفر بن بابويه [الصّدوق] وقال: “حدّثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد [ابن عقدة]، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن الرضا [“ع”]، ولا يعرف الكوفيّون هذه النّسخة، ولا رويت من غير هذا الطريق» [المصدر السّابق نفسه]، على هذا الأساس: فكيف يمكن أن نصدّق بمثل هذه الخطبة وما روي معها عن هذا الطّريق، مع إنّ الكوفيّين الّذين يقطنون في المدينة الّتي نشأ ابن فضّال وأولاده وتلامذته وترعرعوا فيها لم يسمعوا بمثل هذه النّسخة ولم تُرو عن طريق آخر غير طريق الصّدوق المولود في قم؟!
#الخامس: حاول المرحوم الشّوشتري المتوفّى سنة: “1415هـ” أن يحلّ هذا الإشكال المعضل من خلال طرح تأويليّة غير موفقّة؛ حيث نصّ على إمكانيّة الجمع بين رواية الصّدوق لهذه النّسخة وبين عدم معرفة الكوفيّين لها ببيان: «أنّ عليّ بن فضّال [الإبن] كان لا يستحلّ ذلك [أي الرّواية المباشرة عن أبيه] أوّلاً واستحلّه أخيراً؛ لأنّ أباه كان يقابل معه كتبه، وذلك يكفي في الرّواية؛ لأنّها كالشهادة في كون العبرة فيها وقت الأداء لا التحمّل، فعدم فهمه يومئذٍ غير مضرٍّ، وحينئذ فالكوفيّون رأوا قوله الأوّل، والقمّيّون عمله الأخير». [قاموس الرجال: ج‏7، ص415].
#السّادس: ما طرحه المرحوم الشّوشتري من وجه للجمع غير سديد؛ وذلك: لأنّ الكوفيّين لم ينفوا هذه النّسخة القميّة استناداً إلى كبرى عدم رواية عليّ بن فضّال عن والده لكي يُقال بإمكانيّة حلّها عن طريق التّغاير ما بين وقت الأداء ووقت التّحمّل، وإنّما نفوا معرفتهم بها بمعنى جزمهم بعدم صحّتها؛ وذلك لأنّها لم ترو عن أحد من غير هذا الطّريق، وهذا الأمر كافٍ في نفيها؛ إذ كيف يُعقل أن يحدّث عليّ بن فضّال بعموم هذه النّسخة إلى ابن عقدة فقط ويقتصر الأخير على تحديث بعض الرّواة المجهوليين في بلاد فارس بها ولا يحدّث بها ـ مع أهميّتها ـ ولو إلى راو واحد من أهل الكوفة؟! مضافاً إلى إنّ ظاهر تمنّع عليّ بن فضّال من الرّواية المباشرة عن والده لا تختصّ بوقت صغره وعدم فهمه لما يُقابله معه فقط، وإنّما يشمل ما بعد ذلك أيضاً، ولهذا اقتصر في عموم رواياته عن أبيه على توسّط أخويه في البين، ومن هنا لم يخف النّجاشي تحفّظه وهو يعدّ كتب ابن فضّال الأب حينما قال: «كتاب يرويه القمّيّون خاصّة عن ابنه علي، عن الرضا “ع” فيه نظر». [ص36]. [النّجاشي: ج1، ص242].
#السّابع: لا تقتصر شواهد بل أدلّة الاستبعاد على هذا الحدّ، فها هو النّجاشي ينصّ قائلاً: «ورأيت جماعة من شيوخنا يذكرون الكتاب المنسوب إلى علي بن الحسن بن فضال المعروف بـ “أصفياء أمير المؤمنين “ع” “، ويقولون: إنّه موضوع عليه، لا أصل له، والله أعلم. قالوا: وهذا الكتاب أُلصق روايته إلى أبي العبّاس بن عقدة وابن الزّبير، ولم نر أحداً ممّن روى عن هذين الرجلين يقول قرأته على الشّيخ، غير أنّه يُضاف إلى كلّ رجلٍ منهما بالإجازة حسب». [النّجاشي: ص258].
#الثّامن: بعد أن عرض المرحوم الخوئي لأصل المشكلة العويصة الّتي تكمن في روايات هذه النّسخة القميّة بلحاظ ما نقله النّجاشي عن عليّ بن فضّال أفاد بأنّ المسألة غير قابلة للجمع، وعليه: «فلا مناص من الالتزام إمّا: بعدم صحّة ما ذكره النّجاشي، أو بعدم صحّة هذه الروايات»، لكنّه لم يخف الحقيقة في ترجيحه للرّأي الصّحيح قائلاً: «الظاهر أنّ الالتزام بعدم صحة هذه الروايات أهون؛ فإنّ مشايخ الصّدوق الّذين ذكرناهم في هذه الروايات كلّهم ضعاف، فلا يمكن رفع اليد بأخبارهم عمّا حكاه النجاشي، عن علي بن الحسن بن فضال». [معجم رجال الحديث: ج‏12، ص364].
#التّاسع: عزّز المرحوم الخوئي مختاره الصّحيح في عدم صحّة روايات النّسخة القميّة المرويّة عن ابن فضّال “الأب” بطرح مؤيّد قويّ، قائلاً: «ممّا يؤيّد صحّة قول النّجاشي: أنّ الرّوايات المزبورة كلّها عن أحمد بن محمد بن سعيد [المعروف بإبن عقدة]، وهو من مشاهير المحدّثين، فلو كانت له رواية عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن أبيه، لكثر نقلها في الكتب الأربعة، ولم نظفر بذلك إلّا في موردين من التّهذيب… وهاتان الرّوايتان ـ وإن صح سندهما ـ إلّا أنّه يمكن الالتزام فيهما بسقوط الواسطة بين علي بن الحسن [بن فضّال] وبين أبيه، أو يُقال: إنّ علي بن الحسن بن فضال لعدم فهمه الروايات لم يرو عن أبيه فيما يرجع إلى الحلال والحرام…». [معجم رجال الحديث، مصدر سابق]. [يُتبع].
#ميثاق_العسر
#وثاقة_الصّدوق

الصّدوق والنّوايا الآيدلوجيّة لتفرّداته!!

#حرص تراث المرحوم الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” على التّفرّد برواية نصوص روائيّة تخالف المعتقدات الّتي اشتهر بها الرّواة الّذين نسبها لهم، كأنّ يروي رواية تخالف المعتقدات الزّيديّة عن راو معروف بزيديّته، ويروي رواية تخالف المعتقدات الجاروديّة عن راوٍ معروف بجاروديّته، ويروي رواية تخالف المعتقدات الفطحيّة عن راوٍ معروف بفطحيّته، ويروي رواية تخالف المعتقدات الواقفيّة عن راوٍ معروف بواقفيّته…إلخ، وهذا الأمر ينطلق من الأصل الجدلّي المعروف في المناظرات والمحاججات وهو: “والفضل ما شهدت به الأعداء”.
#والمؤسف: إنّ معظم هذه الرّوايات في حقيقتها صرف أكاذيب وتوهّمات وموضوعات وتركيب للأسانيد، لكنّ حيث إنّ المنهج السّائد في الحوزات العلميّة في خصوص القضايا المذهبيّة هو: النّظر إلى وثاقة الرّاوي بمعزلٍ عن فحص عقيدته وانسجام المضمون المروي عنه معها، يُبادر فوراً للحكم بصحّة الرّواية والتّفاخر بصحّة المعتقد الإثني عشريّ عن هذا الطّريق وكذا الحكم بضلالة الفرق الأخرى، مع إنّ الصّحيح أن نتجرّد عن قبليّاتنا ونجعل عقيدة الرّاوي أساساً مهمّاً في تقييم الرّواية، وإنّ الأصل هو عدم التّصديق برواية تخالف معتقد الرّاوي ما دام الرّواة عنه مجهولين وإن تكثّروا، وما دامت مثل هذه الرّوايات من تفرّدات هؤلاء المجهولين دون أن يعرفها غيرهم مع أهميّتها، فليُتأمّل كثيراً بأمل تعزيز هذه الحقيقة بشواهدها الّلازمة، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#وثاقة_الصّدوق

جنابة عليّ “ع” وهبوط وعي الصّدوق!!

#لا ينقضي عجبي ممّن يصف المرحوم الصّدوق “381هـ” بناقد الأخبار وممحصّها وهو يقرأ الكمّ الهائل من الأساطير والخُرافات المُفجعة في تراثه الواصل، والّتي كان يمرّرها على بسطاء الشّيعة ممّن يحبّون أهل بيت النّبي “ص” دون تمحيص وفرز ولا زلنا إلى هذه الّلحظة نرزح تحت وطأة شناعتها، بعد أن فعلت السّياسة فعلتها وحصل الطّامحون على مُنيتهم!!
#ومن باب المثال نورد شاهداً بسيطاً كان المرحوم الصّدوق يعمّق عن طريقه إيمان مخاطبيه بأفضليّة عليّ “ع” على معاصريه مطلع صفر من عام: “368هـ” في أقليم خراسان وحواليه؛ إذ روى لهم حديثاً بإسناده عن أنس بن مالك، جاء فيها إنّه كان عند رسول الله “ص” ومعه رجلان من أصحابه في ليلة ظلماء مُكفهرّة والظّاهر إنّهما الشّيخان أبو بكر وعمر… وهكذا إلى أن يقول:
#قال رسول الله “ص” لعليّ “ع”: «أخبر أصحابي بما أصابك البارحة، قال عليّ “ع”: يا رسول الله إنّي لأستحيّي، فقال رسول الله “ص”: إنّ الله لا يستحي من الحقّ، قال عليّ “ع”: يا رسول الله، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة بنت رسول الله، فطلبت في البيت ماءً، فلم أجد الماء، فبعثت الحسن كذا، والحسين كذا، فأبطئا عليّ، فاستلقيت على قفاي، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت، قم يا عليّ وخُذ السّطل واغتسل، فإذا أنا بسطلٍ من ماءٍ مملوء عليه منديل من سُندس، فأخذت السّطل واغتسلت، ومسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السّطل، فقام السّطل في الهواء، فسقط من السّطل جُرعة فأصابت هامتي، فوجدت بردها على فؤادي. فقال النّبي “ص”: بخ بخ يا ابن أبي طالب؛ أصبحت وخادمك جبرائيل، أمّا الماء فمن نهر الكوثر، وأمّا السّطل والمنديل فمن الجنّة، كذا أخبرني جبرائيل، كذا أخبرني جبرائيل، كذا أخبرني جبرائيل». [الأمالي: ص226].
#وقد عقد شيخ المحدّثين الإثني عشرّيّة المجلسي المتوفّى سنة: “1110هـ” باباً في كتابه البحار حمل عنوان: «باب نزول الماء لغسله “ع” من السّماء»، وأدرج فيه هذه الرّواية وشبيهاتها المنقولة في الخرائج والجرائح ومناقب آل أبي طالب والفضائل لإبن شاذان والمناقب لأخطب خوارزم والمناقب لإبن المغازلي [ج39، ص114]، وهكذا لتكون كرامة عظيمة تُفضّل عليّ بن أبي طالب “ع” على أقرانه بل وعموم البشر حتّى قيام يوم الدّين؛ لأنّه اغتسل من جنابته بسطل ماء نزل إليه من السّماء!!
#لا اعتقد إنّ واعياً يحترم عقله يصدّق بأمثال هذه الأخبار المؤسفة الّتي لا تدلّ إلّا على تخلّف الوعي والادراك لدى نقلتها ومصدّقيها، بل وتكشف عن فقدان أبطالها المفترضين لأبسط درجات الحياء والوعيّ الّتي لا تؤهلّهم لقيادة أبسط تجربة دينيّة فكيف وقيادة التّجربة الإسلاميّة وعالميّتها!!
#الّلهم إرنا الحقّ حقّاً لنتّبعه والباطل باطلاً فنجتنبه، وأفض على المخلصين في حوزاتنا وعياً كافياً لنقد وتمحيص هذه الأخبار وموضعة المؤمنين بها في مكانهم السّليم، متجاوزين بذلك الطّريقة العشائريّة في التّعامل مع الملفّات العلميّة المذهبيّة، والسّائرة على طريقة: أُنصر مذهبك حقّاً أو باطلاً، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#هبوط_وعي_المؤسّسين

الصّلاة فوق الكعبة وهبوط وعي المؤسّسين!!

#تعميقاً لكبرى: “هبوط الوعي المؤسف عند الكبار الإثني عشريّة المؤسّسين” أجد من المناسب ذكر مثال روائيّ فقهيّ جزئيّ بسيط؛ لنستكشف من خلاله مستوى الوعي الحاكم آنذاك، وهل يصلح مثل هذا المستوى في حسن الظنّ بمنقولاتهم دون تمحيص وفحص وجعلهم في دائرة المقدّس المذهبيّ الّذي لا يجوز مسّه حتّى للمطهّرين!!
#روى الكلينيّ صاحب أهمّ كتاب حديثيّ إثني عشريّ معتبر والمتوفّى سنة: “329هـ” بإسناده عن أبي الصّلت الهرويّ عن الرّضا “ع” إنّه قال في الرّجل الّذي تُدركه الصّلاة وهو فوق الكعبة: «إن قام لم يكن له قبلة، ولكنّه يستلقي على قفاه، ويفتح عينيه إلى السّماء، ويعقد بقلبه القبلة الّتي في السّماء البيت المعمور، ويقرأ، فإذا أراد أن يركع غمّض عينه، فإذا أراد أن يرفع رأسه من الرّكوع فتح عينيه، والسّجود على نحو ذلك». [الكافي: ج3، ص392].
#ورغم إنّ هذه الرّواية ضعيفة السّند جدّاً وفقاً لمقاييسهم، ورغم مخالفتها للنّصوص الآمرة بضرورة القيام والرّكوع والسّجود مع القدرة، لكن عمل جمع من الفقهاء الإثني عشريّة بها وأفتوا على أساسها، بل ادّعى شيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” في كتابه الخلاف إجماع الفرقة على ذلك مستنداً إلى هذه الرّواية. [الخلاف: ج1، ص441].
#ولهذا خرج السيّد السّيستاني “حفظه الله” عن صمته وهدوئه المعهود في مجلس درسه الفقهي ليبدي تحفّظه البالغ تجاه تعامل المشايخ المؤسّسين مع هذه الرّواية فقال: «والعجيب من الكلينيّ والشّيخ [الطّوسي] وغيرهما كيف اعتمدوا على هذه الرّواية مع هذا السّند وهذا المتن المخالف لروايات العامّة والخاصّة، مع ما فيها من الغرابة من جعل البيت المعمور في السماء قبلة يجوز استقبالها في الصلاة». [مكان المصلّي، تقريراً لأبحاث السيّد السّيستاني: ص211].
#بلى سيّدنا السّيستاني؛ سيزول العجب تماماً إذا ما عرفنا ـ وأنت سيّد العارفين ـ أنّ أفق المؤسّسين الكبار كان هابطاً ومستوى وعيهم كان فقيراً، فلماذا أُجبر نفسي على الالتزام بنتائج أفقهم الهابط ووعيهم الفقير؟! هم لهم ربّ سيسامحهم وأنا لي ربّ سيحاسبني؛ لأنّ مدار الحساب والعقاب هو الوعي، لكنّ المؤسف أن نراك ـ وأنت ابن القرن الواحد والعشرين ـ تلتزم بمفادات نصوص روائيّة مخيّبة جدّاً أوردها هؤلاء الكبار في مصنّفاتهم وتستقتل إلى الأخير في تطبيقها على واقعنا المعاصر بذريعة وأخرى، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#هبوط_وعي_المؤسّسين

كبر بطن عليّ “ع” بسبب العلم!!

#نبّهنا فيما تقدّم من إثارات إلى ضرورة استكشاف وعي المؤسّسين الكبار من خلال طبيعة مرويّاتهم، وأكّدنا هناك على أن البيّن الواضح لمن راجع التّراث الإثني عشريّ: إنّ وعي المؤسّسين الأوائل كان هابطاً جدّاً للأسف الشّديد، وأبرز دليل على هبوطه المعرفيّ هو مستوى بعض الرّوايات الّتي يوردونها في مصنّفاتهم ويؤمنون بصحّة صدورها ويتعبّدون الله عن طريقها، ولكي لا نستغرق في العموميّات علينا أن نقدّم مثالاً واحداً والأمثلة المتنوّعة فوق أن تُحصى:
#عقد المرحوم الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” باباً في كتابه المُسمّى بـ “علل الشّرائع: حمل عنوان: «باب علّة الصلع في رأس أمير المؤمنين “ع” والعلّة التي من أجلها سمّي الأنزع البطين»، وقد أورد فيه ثلاث روايات، الثّانية منها ـ والتّي تعنينا في المقام ـ رواها بإسناده الضّعيف وذي المجاهيل عن شيخه الّذي أصفه بالخطير والّذي روى وترضّى وترحّم عليه كثيراً ووثقّه جملة من المعاصرين إثر ذلك أعني: محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطّالقانيّ، بإسناده عن جعفر بن محمّد الصّادق “ع” قوله: «سأل رجل أمير المؤمنين “ع” فقال له: أسألك عن ثلاث هنّ فيك، أسألك عن قصر خَلْقك، وعن كبر بطنك، وعن صلع رأسك؟ فقال أمير المؤمنين “ع”: إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلقني طويلاً ولم يخلقني قصيراً، ولكن خلقني مُعتدلاً أضرب القصير فأقدّه وأضرب الطّويل فأقطّه، وأمّا كبر بطني: فإنّ رسول الله “ص” علّمني باباً من العلم ففتح لي ذلك الباب ألف بابٍ فازدحم العلم في بطني فنفجت عنه عضويّ. وأمّا صلع رأسي: فمن إدمان لبس البيض [الخوذ] ومجالدة الأقران». [علل الشّرائع: ج1، ص159؛ الخصال: ج1، ص189 علماً إنّ فقرة تبرير الصلع جاءت في الخصال وبُترت من العلل].
#وقد سعى شيخ المحدّثين الإثني عشريّة المجلسي المتوفّى سنة: “1110هـ” إلى إيضاح ما في الرّواية أعلاه من مفردات، وحينما وصل إلى تفسير انتفاخ بطن الأمير “ع” بسبب العلم علّق قائلاً: «وأمّا كون كثرة العلم سبباً لذلك فيحتمل أن يكون لكثرة السّرور والفرح بذلك؛ فإنّه “ع” لما كان ـ مع كثرة رياضاته في الدّين ومقاساته للشّدائد وقلّة أكله ونومه وما يلقاه من أعدائه من الآلام الجسمانيّة والروحانيّة ـ بطيناً لم يكن سببه إلّا ما يلحقه ويدركه من الفرح بحصول الفيوض القدسيّة والمعارف الربّانيّة، ويمكن أن يكون توفّر العلوم والأسرار الّتي لا يمكن إظهارها سبباً لذلك، ولعل التجربة أيضاً شاهدة به، والله يعلم». [بحار الأنوار: ج35، ص54].
#أقول: لا تهرب إلى الأمام وتقل لي إنّ الرّواية ضعيفة السّند كما هو جواب العجزة بل والجهلة في هذه الأيّام؛ وذلك: لأنّ ما يعنيني في المقام ليس هو تقييمك الشّخصي أو تقييم مرجع تقليدك المعاصر للرّواية، وإنّما التّقييم الّذي يراه المرحوم الصّدوق لها؛ إذ كان الرّجل يعتقد بصحّتها ويعمّق دين الله في نفوس النّاس عن طريقها، وبهذه الرّواية وأمثالها سوّق المذهب الإثنا عشريّ وعُمّم في الأوساط للأسف الشّديد، لكن لا أدري: أ لم يسأل الصّدوق والمجلسي أنفسهم عن علاقة العلم بالبطن؟!
#لا شكّ في أنّ من يُريد التّصديق بهذه الرّواية وأمثالها تعبّداً فعليه أن يذهب إلى أقرب مصحّة عقليّة لعلاج نفسه وتطوير وعيه، وعلينا أن نجعل أمثال هذه النّصوص خير منبّه على ضرورة إعادة النّظر في كبرى حسن الظّن بالأكابر الفاسدة؛ وذلك لأنّ أولئك الكبار لم يكونوا سوى بشر عاديّين يحكمهم الوعي الأسريّ والمجتمعيّ الّذي نشأوا فيه فضلاً عن طموحاتهم وتجاذباتهم، وبالتّالي: فحتّى نقدهم المتواضع للحديث ـ إن وجد ـ فلم يكن يتعدّى هذا الوعي الحاكم الّذي لا زلنا إلى هذه الّلحظة ندفع أثمانا باهظة بسببه، ولا ينبغي بحالٍ من الأحوال أن نجعل مرويّاتهم واستنباطاتهم واجتهاداتهم أساساً لمذهبنا الفقهيّ أو العقائديّ المعاصر ونسوّرهم ومقولاتهم بدائرة المحرّمات والضّروريّات، فليتأمّل أهل التأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#وثاقة_الصّدوق

أخطاء ابن حجر في ترجمة رجال الشّيعة!! الحلقة الرّابعة والأخيرة

#بعد أن اتّضح ممّا تقدّم حجم الأخطاء الكبيرة الّتي احتواها كتاب لسان الميزان وهو يُترجم لبعض رجال الشّيعة على جميع المستويات الرّجاليّة، ولاح لنا أجنبيّة كثير من الإحالات عن مصادرها الأصليّة، يحسن بنا تقديم بعض الأمثلة الّتي تعمّق ما تقدّم من جوانب صحيحة في عموم المحاولات الّتي تقدّم نقلها وتؤكّد في الوقت نفسه وجهة نظرنا المختارة؛ فإنّ كتاب الحاوي حاول أن يستقرئ بعض الآراء الرّجاليّة الشّيعيّة لا من خلال المصنّفات المعروفة فقط، بل ذهب إلى غيرها أيضاً، وربّما يكون لإبن حجر دور في إعادة صياغة مثل هذه الأفكار بقوالب رجاليّة احترافيّة، لكنّه وقع في أخطاء من جوانب أخرى، علماً: أنّ الطّريقة الرّسميّة المتّبعة في كتابة الأصول الرّجاليّة الإثني عشريّة لم تكن طريقة رجاليّة احترافيّة كما هي الطّريقة المعروفة في صنعة الرّجال بين أهل السُنّة؛ وذلك بأن يُذكر الرّاوي ويُذكر من روى عنهم وروى عنه بل إنّ ذكر روايات الرّاوي واسماء كتبه ليس من نهج الطّوسي في كتابه الرّجال أصلاً خلافاً لما نسب له ابن حجر.
#المثال الأوّل: أفاد ابن حجر في ترجمة الحسين بن أحمد المالكي قائلاً: «ذكره الطّوسيّ في رجال الشّيعة وقال: روى عن محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين، روى عنه محمد بن همام، وأسند الطّوسي عنه بسند له إلى أبي عبد الله جعفر الصادق خبراً باطلاً مع كونه معضلاً قال: قال رسول الله “ص”: قال الله عزّ وجلّ: “لولا أنّي أستحيي من عبدي المؤمن ما تركت عليه خرقة يتوارى بها، ولا أكملت له الإيمان [إلّا] ابتليته بضعف في قوّته وقلّة في رزقه، فإن حرج [جزع] أعدت عليه، وإن صبر باهيت به ملائكتي، ألا وقد جعلت عليّاً علماً [للنّاس]، فمن تبعه كان هادياً، ومن تركه كان ضالاً». [لسان الميزان: ج3، ص138].
#ومن الواضح لمن راجع رجال الطّوسي وفهرسته أن لا ترجمة لهذا الاسم فيهما، نعم؛ هو من مشايخ المرحوم الصّدوق، كما جاء ذكره العابر أثناء ترجمة بعض الرّواة في رجال الكشّي وفهرست النّجاشي والطّوسي، وجاء أيضاً في رواية صوم شعبان والاغتسال في ليلة النّصف منه من التّهذيب، لكنّنا حينما نُراجع أمالي الطّوسي نجد أنّ الرّواية الّتي نقلها ابن حجر موجودة بعينها مع زيادة قصيرة وبعض الاختلافات اليسيرة، وإنّ التّفصيل الرّجالي الّذي نُسب إلى الطّوسي مستلّ من إسناد الرّواية الموجود في الأمالي؛ حيث جاء في إسنادها ما يلي: «… قال حدّثنا ابن همام، قال حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ، قال حدّثنا: محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين…» [ص305]، ومنه نعرف حقيقة القول المنسوب إلى الطّوسي فتدبّر.
#المثال الثّاني: نصّ النّجاشي المتوفّى كما هو المشهور في سنة: “450هـ” في ترجمة “إسماعيل بن عليّ بن عليّ بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ابن أخي دعبل” قائلاً: «كان بواسط مقامه، وولّي الحسبة بها، وكان مختلطاً يعرف منه وينكر، له كتاب تاريخ الأئمة، وكتاب النّكاح». [ص32]، لكنّا حينما نعود إلى لسان الميزان نجده ينقل عنه أشياءً مختلفة حيث قال: «وقال ابن النجاشي في كتاب مصنّفي الشّيعة: كان من رجال الشّيعة وعلمائها ومصنفيها، وكان مقامه بواسط، وولّي الحسبة بها، وكان مخلِّطاً، وكان سماعه من أبيه سنة: “272”، وسمع بصنعاء من إسحاق بن إبراهيم الدّبريّ، وأورد له من روايته، عن أبيه علي بن علي، عن أبيه علي بن رزين، عن أبيه رزين بن عثمان، عن أبيه عثمان بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن بديل بن ورقاء، سمعت أبي بديل بن ورقاء يقول: لمّا كان يوم الفتح أوقفني العبّاس بين يدي رسول الله “ص” فقال: يا رسول الله هذا خالك قال: فرأى سوادًا بعارضي فقال: كم سنوك؟ فقلت: سبع وتسعون فقال: زادك الله جمالاً وسوادًا وأمتع بك ولدك … الحديث». [لسان الميزان: ج2، ص149].
#والاختلاف بين النصّ الأصلي والنصّ المنسوب إلى النّجاشي بيّنٌ، لكنّ الغريب: أنّ الرّواية الّتي أوردها ابن حجر ونسبها إلى النّجاشي هي موجودة بعينها في كتاب أمالي الطّوسي [ص376]، ومن يظهر الخلط بين الكتب في ترجمة الرّجال، ويؤكّد ما اخترناه من اشتمال كتاب الحاوي على أوهام وتحريفات كثيرة، والّذي كان المصدر الأصلي لإبن حجر حسب الظّاهر.
#المثال الثّالث: ادّعى المرحوم الصّدوق رؤيته في همَدان الإيرانيّة لراو سمّاه بأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ووثّقه أيضاً، وقد روى عنه كثيراً من الرّوايات كان معظمها عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، وهذا الأمر لم تتّضح لنا حقيقته؛ إذ إنّ دعوى انتساب مثل هذا العدد من الرّوايات إلى عليّ بن إبراهيم والّذي انتشر تراثه في قم وضواحيها خصوصاً وعدم معروفيّته بالنّسبة إلى المرحوم الصّدوق المولود والمتكوّن في قم أمر يصعب هضمه كما نبّهنا لذلك في بحوث تفرّدات الصّدوق، وكيف كان فإنّ هذا الرّجل مجهول الحال في كتب التّراجم والرّجال الإثني عشريّة المعروفة، لكنّا نجد إشارة له في تراث ابن حجر العسقلانيّ الّتي قد توهم بمعروفيّته؛ حيث قال في ترجمة جعفر بن أحمد العلويّ الرّقي المُكنّى بأبي القاسم العريضيّ ما يلي: «مصنّف كتاب الفتوح، روى عن علي بن أحمد العقيقي، روى عنه أحمد بن زياد بن جعفر، وقال: كان إماميّاً حسن المعارضة، كثير النّوادر». [لسان الميزان: ج2، ص444]، وهنا فقد يقال كما توهّم أيضاً: إنّ قول أبن حجر بأنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ قد روى عن أبي القاسم العريضي يدلّ على معروفيّة الهمدانيّ لديه، بل واحتماليّة أن يكون له مصنّف قد اعتمد عليه ابن حجر وأخذ منه ما ذكره عنه!!
#لكن بعد أن عرفنا حقيقة نقولات ابن حجر العسقلاني عند المحقّقين من أعلام الإثني عشريّة ومن تابعهم أيضاً، وبعد أن أوضحنا وجهة نظرنا الموثّقة فيها، تتّضح حينذاك إجابة التّوهمات أعلاه، وإنّ ما نقله ابن حجر في هذا الصّدد لم يعتمد في نقله على مصادر غير معروفة بالنّسبة لنا أو غير واصلة، وإنّما استند على مصنَّف كان قد استقى معلوماته من كتب التّراجم والحديث الإثني عشريّة نفسها وهو كتاب الحاوي لإبن أبي طيّ، وقد تبيّنت حقيقته.
#أمّا خصوص ما نقله حول أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني فهو مأخوذ من الكتاب المطبوع تحت عنوان “كمال الدّين وتمام النّعمة” للمرحوم الصّدوق، ومن رواية أسطوريّة غريبة عجيبة نقلها الصّدوق عن الهمداني وغيره أيضاً وليس شيئاً جديداً، وهي: «حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ، قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر بن أحمد العلويّ الرّقي العريضي، قال حدّثني أبو الحسن بن عليّ بن أحمد العقيقيّ، قال حدّثني أبو نُعيم الأنصاريّ الزّيديّ، قال: كنت بمكّة عند المستجار…إلخ» [ص420]، وبالتّالي: تفقد مثل هذه النّقولات قيمتها من رأس.
#أمّا قوله: «وقال: كان إماميّاً حسن المعارضة، كثير النّوادر» الظّاهرة بدواً في عودتها إلى الهمداني في وصف المُترجم له فهي من أخطاء ابن أبي طي أو اشتباهات ابن حجر دون شكّ وريب، وكم له من نظير كما تحدّثنا آنفاً، ولا يعني ذلك توفّر مصادر لدى ابن حجر قد استقى مثل هذه المعلومات الفريدة منها، وهذا من الواضحات.
#فتلخّص ممّا تقدّم من بحوث وتوثيقات وإيضاحات وتقريبات: عدم إمكان الاعتماد على التّفرّدات الّتي نقلها ابن حجر في خصوص توثيق أو تضعيف أيّ راو من رجال الشّيعة المذكورين؛ وذلك لاحتوائها على إرجاعات خاطئة ومعلومات غير سليمة، كما إنّ دعوى توفّر ابن حجر على نسخة من رجال الطّوسي تشتمل على الكثير من الزّيادات الّتي سقطت من النّسخ الواصلة إلينا [مقدّمة الفهرست: ص40ـ41] لا يمكن المساعدة عليها؛ وذلك لأنّ المراجعة الفاحصة لنصوص ابن حجر المتأخّر عنه بأربعة قرون تقريباً تكشف عن غير ذلك خصوصاً مع وصول نسخة بخطّ الطّوسي نفسه إلى ابن داوود، وإنّ دعوى امتلاك ابن حجر مكتبة كبيرة تشتمل على بعض كتب التّراجم الشّيعيّة ممّن لم تصلنا لا تمتلك أيّ دليل ملموس، وإنّما ترتكز على تصوّرات خاطئة ومرتكزات غير دقيقة، فليُتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#أخطاء_ابن_حجر

أخطاء ابن حجر في ترجمة رجال الشّيعة!! الحلقة الثّالثة

#السّابع: لا يمكن أن نفهم حقيقة التّراث الرّجاليّ لإبن أبي طيّ ما لم نقرأ النصّوص الّتي كتبها معاصروه في ترجمته، ومنها نصّ معاصره ياقوت الحمويّ الّذي التقى به في سنة: “619هـ” والّذي سقط من نسخ معجم الأدباء الواصل كما هو حال كثير من التّراجم الأخرى، لكنّها جاءت في فوات الوفيات لإبن شاكر الكتبي المتوفّى سنة: “764هـ”، ونقلها ابن حجر في لسان الميزان أيضاً، كما عمد إلى نقل بعض أجزائها الّشّخصيّة الشّهيد الأوّل المستشهد سنة: “786هـ” في بعض فوائده على ما نقل عنه الأفنديّ في رياض العلماء. [رياض العلماء: ج5، ص328].
#الثّامن: التقى ياقوت الحمويّ المتوفّى سنة: “626هـ” بإبن أبي طي عام: “619هـ”، وقرّر في ترجمته أشياء كثيرة ليخلص قائلاً: «كان يدّعي العلم بالأدب والفقه والأصول على مذهب الإمامية، وجعل التأليف حانوته، ومنه قوته ومكسبه، ولكنه كان يقطع الطريق على تصانيف النّاس؛ يأخذ الكتاب الّذي أتعب جامعه خاطره فيه، فينسخه كما هو، إلا أنّه يقدّم فيه ويؤخر، ويزيد وينقص، ويخترع له اسماً غريباً، ويكتبه كتابة فائقة، ويقدمه لمن يثيبه عليه، ورزق من ذلك حظاً». [فوات الوفيات: ج4، ص269؛ لسان الميزان: ج8، ص453].
#التّاسع: كما ترجم ابن الشطّار الموصلي المتوفّى سنة: “654هـ” لإبن أبي طيّ مفصّلاً أيضاً، وبعد أن عدّ بعض مصنّفاته وصل إلى كتابه الرّجالي محلّ البحث فقال: «وكتاب “الحاوي” ذكر فيه رجال الشّيعة وعلماءهم وفقهاءهم وشعراءهم وأئمتهم المصنّفين في مذاهبهم، وهو مرتّب على حروف الهجاء… وكان هذا الرجل يأخذ نفسه بالتّصنيف والجمع والتّأليف، ويختلق أسماءً وألقاباً لكتب فيضعها ويضيفها إلى نفسه وينتحلها، ولم يكن إلاّ صاحب دعاوى ومخاريق وأباطيل، ويوهم أنه قد صنَّف وليس عنده ممّا ذكر علم ما، ولا وجدت شيئاً من مصنَّفاته إلاَّ اليسير. وحدثني الصّاحب الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الفقيه الخفي بحلب “أيّده الله تعالى” قال: كان إبن أبي طيّ كذّاباً كثير الكذب والتّحريف؛ وأنّ هذه الكتب التي عدّدها وادعاها، وعمل لها فهرستاً، تمويهاً وتوهيماً لم أقف منها على شيء؛ إلا أنّه كان يقول: قد صنّفت الكتاب الفلاني في العلم الفلاني فنسأله إحضاره فيحتج بحجةٍ ما ويغالطنا ويوهم أنه فرغ، وكلّ ما يتلفظ به ويدعيه زور وكذب، فإذا صح له ذلك وصدق في تصنيفه فيكون قد أغار على بعض الكتب، فيقدّم فيه أو يؤخّر، أو يزيد قليلاً أو يختصر، ويختلق له اسماً غريباً وينتحله، هكذا كانت شيمته، وكان قد جعل التّصنيف بضاعته، ورأس ماله وصناعته». [قلائد الزّمان في فرائد شعراء هذا الزّمان: ج7، ص226].
#العاشر: علّق ابن حجر في آخر حرف من حروف كتابه الميزان وهو يُترجم لإبن أبي طي بعد أن نقل كلام ياقوت المتقدّم بقوله: «قلت: ووقفت على تصانيفه، وهو كثير الأوهام والسّقط والتّصحيف؛ وكان سبب ذلك ما ذكره ياقوت من أخذه من الصُّحف» [ج8، ص453]، ولعلّه ـ والله العالم ـ إنّ السّبب الّذي حدا بابن حجر أن يعزب عن النّقل من كتب ابن أبي طي ـ بعد ما أكثر النّقل منها في الحروف الأولى من كتابه لسان الميزان صريحاً أو تضمّناً ـ هو اكتشاف الأوهام والسّقط والتّصحيف فيها، وحيث إنّه تنبّه إلى هذه الأوهام والإسقاطات والتّصحيفات لاحقاً لم يكترث لإعادة النّظر فيها؛ لكنّه توقّف عن الاستمرار فيها.
#الحادي عشر: علّق المرحوم الأغا بزرك الطّهراني على ما قرّره ياقوت في وصف ابن أبي طيّ بقوله: «أقول: وليس ببعيدٍ من ياقوت الّذي طردته الشيعة من سوريا لسبّه علياً ـ كما ذكره ابن خلكان ـ أن يفتري على ابن أبي طي مثل هذا، و لم يعيّن أيّ تصانيف الرجل بهذه الصفة». [طبقات أعلام الشّيعة: ج4، ص205]، وكم كنت أتمنّى على المرحوم الطّهراني أن يبتعد عن مذهبيّته في قراءة وتحليل حقّانيّة مثل هذه النّصوص، وأن لا يجنح لطرح احتمالات لا يمكن توفير دليل عليها؛ خصوصاً بعد مطالعتنا لنصّ ابن الشطّار الموصلي.
#الثّاني عشر: لا يمكن أن نعزو جميع الاشتباهات الوافرة الّتي عمد ابن حجر لنسبتها إلى الأصول الرّجاليّة الإثني عشريّة وغيرها إلى عجلته في التّصنيف أو نقله بالمعنى أو عدم تفريقه بين الاقتباسات وبين النّصوص…إلخ؛ فإنّ هذا إن حصل في مرّة أو مرّتين فلا يمكن أن يحصل في تراجم كثيرة جدّاً خصوصاً لمن هو في رتبة ابن حجر العسقلانيّ؛ لذا فإنّ الاحتمال الأرجح أن يكون قد وقع ضحيّة لمؤلّفات ابن أبي طيّ المبتلاة بهذه الآفات، وحينما اكتشف ذلك توقّف عن الأخذ منه ولم يبادر إلى تصحيح ما نقله منه سلفاً؛ لعدم جدوائيّة ذلك؛ حيث لا رواية لأمثال هؤلاء في كتب السُنّة، واكتفى بالتّوقّف.
#الثّالث عشر: آمن السيّد شبيريّ الزّنجانيّ “حفظه الله” بامتلاك «ابن حجر لمكتبة مهمّة تتوفّر على العديد من كتب الشّيعة الّتي لا خبر لنا بها، من قبيل: تاريخ الرّي للشّيخ منتجب الدّين؛ وتاريخ ابن أبي طي، ورجال عليّ بن الحكم، ورجال أبي جعفر الصّدوق، وإنّ كتابه الّلسان نافع جدّاً من هذه الحيثيّة، لكنّه ألّفه في أواخر عمره، وفي سنّ التّاسعة والسّبعين ـ وهي السّنون الّتي تضعف فيها القوى ـ كانت نهاية تأليفه وهي سنة وفاته أيضاً، ويبدو إنّه لم يوفّق إلى إعادة النّظر فيه أو مقابلته، لذا نراه يحمل أخطاءً لا يمكن إحصاؤها، ويندر أن لا تجد في صفحة أكثر من خطأ مغيّر للمعنى أيضاً، بل ربّما لا تجد صفحة خالية من ذلك». [شبيري الزّنجاني، جرعه از دريا: ج1، ص42، بالفارسيّة].
#الرّابع عشر: الظّاهر إنّ السيّد الزّنجاني “حفظه الله” قد استند في تقرير سنة تأليف كتاب الّلسان وتاريخ الفراغ منه على ما جاء في مقدّمة المرعشلي المُسمّاة بـ: “فتح المنّان بمقدّمة لسان الميزان” [ص411]؛ حيث ذهب هناك وبضرس قاطع إلى أنّ فراغ ابن حجر من لسان الميزان كان في جُمادي الأوّل من عام: “852هـ”، لكنّ محقّق الطّبعة الجديدة لمكتبة المطبوعات الإسلاميّة أوضح خطأ هذه النّسبة وإنّ التّاريخ المذكورة هو من خطأ النّساخ، والصّحيح كما برهنوا عليه: إنّهم وجدوا في آخر إحدى نسخه بخطّ المؤلّف عبارة: «فرغت منه في شهر رمضان سنة خمس وثمان مئة بالقاهرة»، وأفادوا لنصوص ولقرائن أخرى: بقي المؤلّف حتّى آخر حياته عام: “852هـ” يُنقّح ويصّحح ويستدرك. [مقدّمة لسان الميزان: ج1، ص121]، والظّاهر إمكانيّة الجمع بينهما من ناحية إنّ ما أتمّه في سنة: “805هـ” كان أصل الكتاب، وإنّ ما قرّره في نهاية حياته كان بعد الإضافات والاستدراكات والإلحاقات، والله العالم.
#الخامس عشر: احتمل بعض الباحثين المعاصرين استناداً إلى عبارة لسان الميزان القائلة: «ذكره الليثي في رجال الشيعة…» أن يكون المقصود من الّليثي هو: عليّ بن محمّد الّليثيّ الواسطيّ مصنّف كتاب عيون الحكم والمواعظ، والّذي هو أستاذ ابن أبي طي، وحيث إنّ ابن حجر وجد هذا النّقل في كتاب الحاوي لإبن ابي طي فنسب الكلام إلى الّليثي دون أن يُشير إلى مصدر أخذه. [قبسات من علم الرّجال: ج1، ص174]، لكنّ هذا الاحتمال لا مسوّغ له، بعد ما أظهرت النّسخة المحقّقة من لسان الميزان والّتي اعتمدت على عدّة نسخ خطيّة: أنّ الّليثي هو تصحيف لمفردة الكشّي. [يتبع].
#ميثاق_العسر
#أخطاء_ابن_حجر

أخطاء ابن حجر في ترجمة رجال الشّيعة!! الحلقة الثّانية

#الرّاجح عندي والله العالم: إنّ ابن حجر لم يكن يمتلك نسخاً أصليّة من رجال الكشّي والنّجاشي أو رجال الطّوسي وفهرسته بل لم يكن لديه أيّ نسخة منهنّ أصلاً في بداية عمله، كما لم يكن لديه أيّ نسخة من كتاب رجال الصّدوق أو رجال عليّ بن الحكم أيضاً، وإنّما اعتمد في إيراده لهذه المعلومات الخاطئة على كتاب “الحاوي في رجال الشّيعة” لإبن أبي طيّ المتوفّى سنة: “627هـ”، وإنّ من يتحمّل مسؤوليّة معظم هذه الأخطاء الجسيمة ليس ابن حجر بسبب عجلته ونقله بالمعنى وتأليفه كتابه في آخر عمره كما احتمل السيّد الزّنجاني، وليس بسبب عدم تفريقه بين نقولات ابن أبي طي وبين اقتباساته كما توهّم باحث آخر، بل إنّ من يتحمّل مسؤوليّة ذلك هو: ابن أبي طي نفسه، لكنّ هذا الاحتمال لا يمكن تصوّره والحكم بمعقوليّته وأقربيّته بعد عدم وصول نسخة من كتاب “الحاوي في رجال الإماميّة” إلينا دون أخذ الإيضاحات التّالية بعين الاعتبار:
#الأوّل: بادر ابن حجر العسقلانيّ المتوفّى سنة: “852هـ” إلى تصنيف كتاب سمّاه لسان الميزان، كان يهدف من خلاله إلى اختصار ميزان الاعتدال للذّهبي المتوفّى سنة: “784هـ”، وإلحقاق بعض الزّيادات الّتي وجدها ممّا فات الذّهبي والعراقيّ المتوفّى سنة: “806هـ”، وكذا بعض الزّيادات المرتبطة برجال الشّيعة.
#الثّاني: في خصوص تراجم رجال الشّيعة محلّ البحث بادر ابن حجر في زياداته على ميزان الاعتدال إلى ذكر تراجم كثيرة ناسباً إيّاها إلى عليّ بن فضّال، الكشّي، ابن عقدة، ابن النّجاشي، الطّوسي، المازندرانيّ، علي بن الحكم، ابن بابويه، ابن أبي طيّ…، لكنّه توقّف فجأة عن التّرجمة رقم: [2588] من الطّبعة الجديدة ذات العشرة أجزاء؛ وذلك عند ترجمته للحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، سوى موردين نادرين في الأجزاء الّلاحقة.
#الثّالث: استغرق ابن حجر كثيراً في ترجمة رجال الشّيعة ممّن لا رواية لهم في كتب أهل السُنّة أصلاً، وهذا الأمر عابه عليه بعضهم وسجّلوه كمؤاخذة على عمله في لسان الميزان، وأشاروا إلى احتماليّة أن يكون سبب انقطاعه المفاجئ عن هذا العمل في بقية الأجزاء سببه تنبّهه إلى هذا الخطأ. [راجع مقدّمة لسان الميزان الطّبعة ذات العشرة أجزاء: ج1، ص102؛ 117]، لكنّا نحتمل سبباً آخر سنأتي على ذكره لاحقاً.
#الرّابع: الأرجح عندنا أنّ الاعتماد الأصليّ الّذي كان يستند إليه ابن حجر في ترجمته لرجال الشّيعة إنّما هو على تراث ابن أبي طي وكتابه “الحاوي في رجال الإماميّة” تحديداً، ولم يكن لديه أيّ نسخ أصليّة لتلك الأصول الرّجاليّة فضلاً عن غيرها، نعم؛ من المحتمل أن تكون بعض نسخ بعض تلك الكتب كانت لدى ابن أبي طي اعتماداً على مكتبة زوج بنت عمّته ابن شهر آشوب المازندرانيّ المتوفّى سنة: “580هـ”.
#الخامس: صرّح ابن حجر في كتابه الإصابة على أنّ عنده كتاب “رجال الشّيعة الإماميّة” بخطّ ابن أبي طيّ [ج4، ص326]، كما صرّح في الّلسان قائلاً: «قرأته بخط ابن أبي طي فما أدري هو ذا أو غيره» [ج2، ص361]، ونصّ أيضاً في ترجمته لجنادة السّلولي مقرّراً: «ذكروه في رجال الشيعة، نقلته من خط ابن أبي طي» [ج2، ص495]، وعلى هذا الأساس فإنّ من يُراجع معظم إرجاعات ابن حجر إلى الأعلام الشّيعة يجدها توظّف تعبير: “رجال الشّيعة”، ومن باب المثال ذكر في ترجمة جعفر بن أحمد البخاري قائلاً: «راوية أبي عمرو الكشي؛ حمل عنه كتابه في معرفة رجال الشيعة، قال ابن أبي طي: كان فاضلاً جليل القدر» [ج2، ص444]، وهذا يكشف عن إنّ اعتماده الأساس إنّما هو على كتاب ابن أبي طي، وإنّ جميع هذه النّقولات إنما هي مأخوذة منه كما سنوضّح لاحقاً.
#السّادس: من يرجع إلى عدد توظيفات ابن حجر لتعبير “رجال الشّيعة” وهو يُترجم للرّواة الشّيعة يحصل له الاطمئنان من أنّه لا يُريد أن يُشير إلى عدّ هؤلاء المصنّفين الرّجال المذكورين في عداد رجال الشّيعة في مصنّفاتهم؛ لأنّ جملة من هذه المصنّفات إنّما هي مخصّصة لرجال الشّيعة دون غيرهم، وإنّما يُروم من ذلك الإشارة إلى أنّ ذكر هؤلاء المصنّفين لهؤلاء الرّواة إنّما ورد في كتاب “رجال الشّيعة الإماميّة” لإبن أبي طيّ لا غير، وإذا أردنا أن نوثّق هذا الاطمئنان يحسن بنا إيراد النّماذج الأكثر من توظيفاته لهذه العبارة رغم طولها؛ حيث نصّ قائلاً: «ذكره عليّ بن فضّال في رجال الشّيعة؛ ذكره ابن عقدة في رجال الشّيعة؛ ذكره أبو جعفر بن بابويه في رجال الشّيعة؛ ذكره الكشي والطوسي في رجال الشيعة؛ ذكره الطّوسي وغيره في رجال الشّيعة؛ ذكره أبو الحسن بن بابويه في رجال الشّيعة، ذكره عليّ بن الحكم وغيره في رجال الشّيعة؛ ذكره النّجاشي في رجال الشّيعة؛ ذكره أبو عمرو الكشّي في رجال الشّيعة؛ ذكره ابن أبي طيّ في رجال الشّيعة؛ ذكره الشريف المرتضى في رجال الشيعة؛ وذكره الطّوسي وعلي بن الحكم في رجال الشيعة؛ ذكره الطوسي والكشّي وابن عقدة في رجال الشيعة؛ ذكره الطّوسيّ وابن النّجاشي والكشّي وعليّ بن الحكم في رجال الشيعة ووثّقه الطوسي وابن النّجاشي وفرّق الطوسي بين الغنوي والكوفي وهما واحد وبذلك جزم ابن عقدة؛ ذكره يحيى بن الحسن بن البطريق في رجال الشيعة؛ ذكروه في رجال الشيعة؛…» [لسان الميزان، ج1؛ 2؛ 3]، نعم؛ هناك عبائر تتحدّث بطريقة أخرى لا تُعطي مثل هذا الاحتمال في بعض الأعلام من قبيل: «ذكره ابن النجاشي في مصنّفي المعتزلة؛ ذكره ابن النجاشي في مصنفي الشيعة»؛ لكنّنا نتحدّث عن الأعظم. [يُتبع].
#ميثاق_العسر
#أخطاء_ابن_حجر

أخطاء ابن حجر في ترجمة رجال الشّيعة!! الحلقة الأولى

#ثمّة نقولات كثيرة جدّاً نقلها ابن حجر العسقلانيّ المتوفّى سنة: “852هـ” عن الكشّي والنّجاشي والطّوسي وغيرهم… وهو يُترجم لرجال الشّيعة في كتابه لسان الميزان، لكنّنا حينما نعود إلى النّسخ الواصلة من هذه الكتب فلا نجد لهذه النّقولات عيناً ولا أثراً فيها، كما لا يمكن طرح احتمال سقوطها من النّسخ الواصلة؛ وذلك لكثرتها، ولعدم تسجيل أيّ واحد من الإثني عشريّة المتقدّمين زماناً على ابن حجر لها أيضاً، كما لا يُحتمل أن تكون من وضع ابن حجرّ أيضاً؛ لعدم معقوليّة ذلك، لكن مع هذا فربّما يتوهّم متوهّم: إنّ ابن حجر كان يمتلك نسخاً أصليّة لهذه الكتب أو إنّ لديه مصادر أخرى اشتملت على هذه الأوصاف دون أن تصل إلينا!!
#وقبل أن نعرض لحقيقة هذه النّقولات وبغية أن نضع القارئ في السّياق الحسّي لها يحسن بنا أن نقدّم بعض الأمثلة لذلك، بيد أنّ الأمثلة لهذا الخلط كثيرة جدّاً وموزّعة بكثرة في الجزء الأوّل والثّاني ونصف الثّالث من كتابه لسان الميزان في طبعته المحقّقة ذات العشرة أجزاء، ويمكن للباحث أخذ عيّنات منها للمقارنة والمطابقة وسيكتشف الفارق الكبير بوضوح، وهناك دراسة نُشرت مؤخّراً استخرجت بشكل سردي جميع هذه الفوارق وقارنت بين ما هو منقول في لسان الميزان وما بين كتب الرّجال الشّيعيّة يمكن مراجعتها في مجلّة تُراثنا الأعداد: “129؛ 133؛ 134”.
#المثال الأوّل: عدّ الطّوسي: “إبراهيم بن أبي حفصة” كأحد أصحاب عليّ بن الحسين المعروف بالسجّاد “ع” ولم يزد على ذلك شيئاً سوى وصفه بمولى بني عجل، لكنّنا حينما نعود إلى لسان الميزان نراه يقرّر ما يلي: « إبراهيم بن أبي حفصة العجلي مولاهم، ذكره الطّوسي في رجال الشيعة الرواة عن أبي جعفر الباقر وقال : كان من العبّاد الثّقات». [لسان الميزان: ج1، ص267].
#المثال الثّاني: عدّ الطّوسي: “إبراهيم بن ضمرة الغفاري” من أصحاب الصّادق “ع” في كتابه الرّجال، مقتصراً في ترجمته على قوله: «مدنيّ، وهو ابن عمرو، مولاهم»، لكنّنا حينما نُراجع لسان الميزان نراه يقرّر في ترجمته ما يلي: «ذكره الطوسيّ في رجال جعفر الصادق من الشّيعة، ونقل عنه طعناً في الإمام الشافعيّ، ووصفه بالزّهد والورع، لا بارك الله فيه». [لسان الميزان: ج1، ص300].
#المثال الثّالث: لا يوجد في مصادرنا الإثني عشريّة أيّ توثيق صريح لثابت بن أبي سعيد، لكنّنا حينما نعود إلى لسان الميزان لإبن حجر العسقلانيّ نجده ينقل خلاف ذلك ويقرّر قائلاً: «ثابت بن أبي سعيد البجلي الكوفي، ذكره الكشّي في رجال الشيعة وقال: “كان ثقة كثير الفقه روى عنه الأعمش”» [لسان الميزان: ج2، ص387]، وحينما نعود إلى كتاب اختيار معرفة الرّجال المُنتقى من رجال الكشّي لا نجد للعبارة ذكراً.
#في ضوء هذه الأمثلة اليسيرة ـ والأمثلة المشابهة كثيرة جدّاً ـ يُطرح تساؤلان مفادهما: هل كان لإبن أبي حجر نسخ أصليّة من هذه الكتب وخصوصاً رجال الكشّي الأمر الّذي استوجب صدور هذا الكمّ الهائل من الاختلافات ما بين نقله وما بين النّسخ الواصلة بل والمعتمدة لدى من تقدّم على ابن حجر من الأعلام الإثني عشريّة والّتي كان بعضها بخطّ مصنّفيها أيضاً؟! وهل كانت عند ابن أبي حجر كتب أخرى من قبيل رجال الصّدوق ورجال عليّ بن الحكم كما هو ظاهر عبائره حين نقله منها والّتي لم تصلنا نسخها بطبيعة الحال؟!
#والجواب: يبدو إنّ هناك شبه اتّفاق بين بعض المحقّقين ومن تبعهم من الباحثين الإثني عشريّة المعاصرين على عدم توفّر ابن حجر على نسخ أصليّة لهذه الأصول الرّجاليّة خصوصاً رجال الكشّي، وإن حصل اختلاف بينهم على توفّره على نسخٍ من كتب أخرى لم تصل إلينا، وفي هذا السّياق طُرحت عدّة محاولات:
#الأولى: عزا السيّد شُبيريّ الزّنجاني “حفظه الله” هذه الأخطاء الكثيرة إلى عوامل عدّة أهمّها: عجلة ابن حجر في التأليف وعدم توفّر فرصة لديه للمراجعة، بالإضافة إلى ذوقه الخاصّ في النّقل بالمعنى الواسع جدّاً، لكنّه مع هذا ذهب إلى امتلاك ابن حجر لمكتبة هامّة تضمّنت العديد من كتب الشّيعة الّتي لا خبر لنا بها من قبيل: تاريخ الرّي لمنتجب الدّين وتاريخ ابن أبي طيّ ورجال عليّ بن الحكم ورجال أبي جعفر الصّدوق، وسنتوقّف مع رأي الزّنجاني عرضاً ونقداً في القادم من البحث.
#الثّانية: في سياق إيضاح هذا الرأي وتطويره ذهب نجله إلى احتماليّة أن يكون ابن حجر قد اعتمد على مصنّفٍ لم يقتصر مصنّفه فيه على ذكر الآراء الرّجاليّة الإثني عشريّة من خلال نصوص ما جاء في كتب مصنّفيها الرّجاليّة حصراً، وإنّما قرأ الآراء في ضوء مجموعة مؤلّفاتهم، محتملاً أن يكون هذا الكتاب هو رجال عليّ بن الحكم والّذي احتمل أن يكون شرحاً على رجال الطّوسي بنحو من الأنحاء، ومن المحتمل جدّاً أن تكون بعض نقولات ابن حجر عن الكشّي مأخوذة من رجال عليّ بن الحكم، والتي اختلطت مع المطالب الّتي جاءت في أصل رجال الكشّي لا ممّا استخلصه الطّوسي منه، وهكذا ليبادر ابن حجر إلى نقل الآراء ونسبتها إلى الأشخاص اعتماداً على هذا الكتاب من دون أن يذكر الكتاب الواسطة الّذي استقى منه هذه الآراء. [زنجاني، محمّد جواد، رجال الطّوسي، مقالة نُشرت في دانشنامه جهان اسلام: ج19، ص55، بالفارسيّة].
#الثّالثة: وفي سياق هذا وذاك ذهب باحث آخر إلى أنّ الأقرب في النّظر أنّه لم يكن لديه الأصول الرّجاليّة المذكورة، بل لم يكن لديه حتّى كتاب عليّ بن الحكم أيضاً، بل كان يعتمد فيما ينسبه إليها على ما ألّفه بعض المتأخّرين في تراجم أصحابنا، لكنّ حيث إنّه لم يكن مأنوساً بطريقة هذا المتأخّر في نقل كلمات الكشّي والنّجاشي والطّوسي وأمثالهم فوقع فيما يلاحظ من الاشتباه؛ ومن المحتمل جدّاً: إنّ ذلك المؤلّف لمّا كان يُترجم لشخص ويذكر ما لديه من معلومات بشأنه يُشير ضمناً إلى أنّه قد ذكره الطّوسي في رجال الشّيعة أو في مصنّفي الإماميّة قاصداً التّنبيه على بعض مصادر ترجمته، لكن كان ابن حجر يفهم منه أنّ ما ورد في ترجمته من التّعريف به إنّما هو مقتبس من كلام الطّوسي، فيبادر لنسبته إليه مباشرة دون ذكر الواسطة، واحتمل أن يكون الكتاب الّذي استند إليه هو كتاب: “الحاوي في طبقات الإماميّة” حسب تسميته له، ليحيى بن أبي طيّ الحلبي؛ وذلك: لنقله منه في عدّة موارد بالإسم، وتصريحه بموجوديّته عنده بخطّه في بعض الموارد الأخر. [السّيستاني، محمّد رضا، قبسات من علم الرّجال: ج1، ص173ـ174].
#وفي قناعتي إنّ أصل هذه المحاولات وما طُرح من تفسيرات وإيضاحات وتعميقات لها يحمل بعض جوانب الصّحة وفيه جوانب أخرى من الأخطاء، وإيضاح هذه الأمور يستلزم ذكر الرّاجح عندنا في تفسير أسباب وقوع هذه الأخطاء الكثيرة الّتي حملها كتاب لسان الميزان؛ علّنا نوفّق بذلك لتقديم إسهامات إيضاحيّة في طريق المهتمّين، والظّاهر إنّ ابن حجر لا يتحمّل مسؤوليّتها بالجملة وإنّما وقع ضحيّة غيره. [يُتبع].
#ميثاق_العسر
#أخطاء_ابن_حجر