#من يقرأ ويسمع البحوث والدّروس الأصوليّة للمرحوم الشّهيد محمّد الصّدر يلحظ فيها هفوات ونواقص كثيرة جدّاً على جميع المستويات، ويشاهد ابتسارات وفهماً مغلوطاً لجملة من الكلمات والمباني أيضاً، وسبب ذلك يعود لأمور كثيرة منها: عدم وجود جملة كبيرة من المصادر الأصوليّة عنده، الأمر الّذي انعكس على كفاءة بحثه وعمقه وشموليّته، ومنها: عدم امتلاكه الوقت الكافي للتّحضير ومراجعة ما يطرحه في دروسه والتأمّل فيها، ومنها: عزلته الاجتماعيّة منذ بداية تكوينه حتّى أيّام طرحه لمرجعيّته، ممّا أدّى إلى عزلة علميّة أصوليّة وفقهيّة بطبيعة الحال.
#وإذا ما أردنا أن نضرب مثالاً بسيطاً يجمع بين هذه الهنات كلّها في دروسه، وبالتّالي يضع دعوى أعلميّته أصوليّاً على جميع معاصريه في مهبّ الرّيح، فعلينا ملاحظة ما صرّح به بوضوح العبارة في دروسه الأصوليّة الملقاة قبل شهادته بأيّام قليلة؛ حيث مدح وأشاد بمناقشة بنائيّة لأستاذه وابن عمّه المرحوم محمّد باقر الصّدر للمرحوم الخوئي، فعلّق بعدها قائلاً: لقد التفت أستاذي الصّدر إليها بعد قراءته لمطلب الخوئي ولم يكن باستطاعتي الالتفات إليها؛ وسبب ذلك لأنّي لم أدرّس دورة أصوليّة!! مع أنّ الالتفات إلى شخص هذه المناقشة لا يحتاج إلى تدريس دورة أصوليّة بقدر ما يحتاج إلى مراجعة بسيطة لتراث المرحوم الخوئي ليرى سلامتها من خطلها، فأين حكاية الأعلميّة المدّعاة؟!
#يبدو لي: أنّ الهدف الأساس من التّدريس والكتابة الأصوليّة لدى المرحوم محمّد الصّدر في تلك الظّروف هو: إبراز ما يعزّز أعلميّته المدّعاة في هذا المجال فقط ولو عن طريق ما يُصطلح عليه في علم أصول الفقه: “المصلحة في نفس الجعل”، أي بوجود دروس ومؤلّفات أصوليّة مطبوعة وقائمة له، من دون أن يعير أيّ أهميّة لعمقها ودقّتها وقدرتها الحقيقيّة على إثبات مدّعياته في هذا المجال، ولهذا وقع “رحمه الله” في هفوات كثيرة لم يكن ينبغي صدورها منه… أمّا في دروسه الفقهيّة فحدّث عن هفواتها ولا حرج، وجميعها موثّقة عندنا وبصوته أيضاً، وربّما تسع الفرصة لاستعراضها في الوقت المناسب إذا بقيت الحياة.
#لا شكّ في أنّ هذه الأمور جميعاً تقع في سياق القاعدة الّتي أكّدنا عليها مراراً ونحاول تركيزها وتعميقها وهي: ضرورة التّفريق بين مقام: الورع والتّقوى والحرص والإخلاص والتّواصل مع النّاس وقضاء حوائجهم… إلخ من مسائل تجتذب عامّة النّاس وتقرّب قلوبهم، وبين مقام: الاجتهاد والأعلميّة في الميادين الدّينيّة ذات الصّلة؛ فهذان المقامان قد يجتمعان وقد يفترقان، وتوفّر أحدهما لا يدلّ على توفّر الآخر بالضّرورة، والغالب: أنّ الحاجة الاجتماعيّة تميل إلى من لديه إحاطة بالمقام الأوّل ولا تكترث بالثّاني أصلاً، ولهذا يحسبون أنّ من يناقش في المقام الثّاني يريد هدم المقام الأوّل، مع أنّه كما ترى، فتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر