موقف الحسين “ع” من زاوية رسالة الحقوق!!

#روى الصّدوق بأسانيد صحيحة عنده عن أبي حمزة الثّمالي رسالة طويلة عن السجّاد “ع” تُسمّى برسالة الحقوق جاء فيها: «وحقّ السّلطان: أن تعلم أنّك جعلت له فتنة، وأنّه مُبتلى فيك بما جعله الله عزّ وجلّ له عليك من السّلطان، وأن عليك أن لا تتعرّض لسخطه، فتلقي بيدك إلى التّهلكة، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء». [من لا يحضره الفقيه: ج2، ص620؛ الخصال: ص567؛ الأمالي: ص369].
#وهنا من حقّنا أن نسأل السجّاد “ع” ـ بعد التجرّد عن قناعاتنا ومواقفنا الإيمانيّة القبليّة الخاصّة ـ هذا السّؤال: إذا كان الأمر ينبغي أن يكون كما تقول فما بال أبيك الحسين بن عليّ “ع” لم يبايع سلطان زمانه، وتمرّد عليه من خلال الدّعوة لتشكيل سلطان موازٍ لسلطانه، وبالتّالي: تعرّض لسخطه، وألقى بيده إلى التّهلكة ـ وفقاً لبياناتك ـ في المعركة المرعبة الّتي خرجت منها سالماً لسبب وآخر؟!
#ويتعاظم الإشكال أكثر ويستحكم بنحو أكبر حينما نقرأ نصّ الرّسالة آنفة الذّكر في كتاب تحف العقول لإبن شعبة الحرّاني النّصيري المعاصر للصّدوق حسب الفرض؛ حيث نجد أنّ حقّ السّلطان فيها يحمل إضافات عدّة قام الصّدوق كعادته ببترها لأسباب أيدلوجيّة ، حيث قال:
#فأما حقّ سائسك بالسّلطان: فأن تعلم أنّك جُعلت له فتنة، وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السّلطان، وأن تخلص له في النّصيحة، وأن لا تماحكه وقد بُسطت يده عليك؛ فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه، وتذلّل وتلطّف لإعطائه من الرّضا ما يكفه عنك، ولا يضرّ بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله، ولا تعازه ولا تعانده؛ فإنّك إن فعلت ذلك عققته، وعققت نفسك، فعرضتها لمكروهه، وعرضته للهلكة فيك، وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك، وشريكاً له فيما أُتى إليك، ولا قوة إلّا بالله». [تحف العقول: ص260].
#وهنا نُعيد السّؤال على السجّاد “ع” نفسه: كيف تفسّر موقف أبيك الحسين “ع” من سلطان زمانه وأنت رافقته في الطّريق من المدينة إلى مكّة وحتّى كربلاء؛ فهل امتنع عن مماحكته، وهل تذلّل وتلطّف لإعطائه من الرّضا ما يكفّه عنه، وهل ترك معارضته في عزّته ومعاندته وعقوقه، وهل عقّ نفسه وعرّضها لمكروه السّلطان وبالتّالي هلاكها، وهل كان معيناً عليها وشريكاً فيما أُتي إليه؟!
#لا حاجة لإجابة هذه الأسئلة بإجابة صريحة وواضحة تكشف عن مدى اختلاف المواقف بين الحسين ونجله؛ فإنّ السجّاد “ع” أجاب عليها عمليّاً وبنحو تامّ؛ حيث لم يُشارك في أحداث كربلاء، ولم يقدّم خطوة واحدة في هذا الاتّجاه، وتعرّض لمواقف محرجة جدّاً في مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة، وذهب إلى الشّام وبايع يزيد بن معاوية، فلا مثلي لا يبايع مثلك ولا غير ذلك، وهو من رأى رأس أبيه على القنا مرفوعاً!!
#وإن كانت هذه الأجوبة تستفزّك وتؤلمك فيمكنك أن تقول: نحن ننكر صدور رسالة الحقوق من عليّ بن الحسين السجّاد “ع”، ولا نلتزم بهذه الفقرة من مضامينها حتّى وإن قبلها أعلامنا المؤسّسون ومقلِّدتهم، ولا نؤمن بمبايعته ليزيد، بل كان هارباً متخفيّاً طيلة فترة خلافته…إلخ، أجل من حقّك ذلك، ولكن عليك أن تلتزم بلوازم كلامك، وتبني لك مذهباً خاصّاً بك، وتوفّر مصادر خاصّة له، وتخرج عن دائرة مخاطبي هذا الكلام.
#نعم؛ المسكونون بالإمامة الإلهيّة والعصمة وما شابهها من حكايات متداولة يضطرّون لابتداع وجوه مذهبيّة لإقناع أنفسهم بحقّانيّة عقائدهم الّتي ولدوا عليها، وسوف يلطمون على مقتل الحسين ورحيل ابنه السجّاد دون فرق يُذكر؛ فهو تنوّع الأدوار ووحدة الهدف، وإيّاك أن تنبس ببنت شفة وتشكّك وتسأل؛ فإنّ هذه من علامات سوء العاقبة والخسران المبين، فضلاً عن كونها مستفزّة لمشاعر الآخرين؛ فأطع السّلطان المذهبي ولو ضرب على أنفك وسخّف وعيك، ولله في خلقه شؤون وشؤون، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي