مهادنة الحسين “ع” ليزيد ليست سيّئة!!

#في سياق حديثه عن أدوار أئمّة أهل البيت “ع” في مواجهة الانحرافات الحاصلة في جسم الإمّة الإسلاميّة موضع المرحوم الشّهيد محمّد باقر الصّدر مواجهة الحسين بن عليّ “ع” ليزيد وشهادته في دائرة العنوان الّذي اصطلح عليه بـ “تعرية الزّعامة المنحرفة”؛ وذلك في حالة ما إذا أصبحت هذه الزّعامة تشكّل خطراً ماحقاً ـ حسب تعبيره ـ فينبغي حينذاك من الإمام تعريتها «ولو عن طريق الاصطدام المسلّح بها، والشّهادة في سبيل كشفها وشلّ تخطيطها، كما صنع الإمام الحسين مع يزيد» [أئمّة أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف: ص89].
#ومن الواضح: إنّ المرحوم محمّد باقر الصّدر يتحدّث عن الخطر الماحق على كيان الإسلام وأهدافه؛ باعتبار إنّ أهل البيت “ع” ـ وحسب تصويره ـ «بالرغم من التآمر على اقصائهم عن مجال الحكم كانوا يتحمّلون باستمرار مسؤوليتهم في الحفاظ على الرسالة وعلى التجربة الاسلامية وتحصينها بالشكل الذي تكون ناجحة ومنجزة وليست فاشلة؛ إذ لا معنى لفشل المعصوم أيّاً كان وخاصة بعد الايمان بأنهم مسدّدون من قبل الله سبحانه وتعالى» [المصدر السّابق: ص88].
#لكن الغريب إن ابن عمّه وتلميذه المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر ـ رغم تحفّظه على توظيف مفردة التّجربة الإسلاميّة ـ فهم من الخطر الماحق الّذي ورد في نصّ أستاذه وابن عمّه الصّدر ـ بل وهو مسجّل بصوته أيضاً ـ يعني الخطر الماحق على شخص الحسين “ع” دون كيان الإسلام وأهدافه، وعلى هذا الأساس علّق ـ بحسب رواية تلميذه اليعقوبي ـ على هذه العبارة من أستاذه وابن عمّه الصّدر قائلاً: «لم يكن الخطر ماحقاً حقيقة، وكان يكفي لدرء الخطر الاكتفاء ببعض الأعمال دون الشّهادة، كذهابه “ع” إلى اليمن أو غير ذلك ولو لفترة محدودة»، ولم يكتف المرحوم محمّد الصّدر بذلك، بل زاد الجرعة النّقديّة قائلاً: «بل حتّى لو هادن الحسين “ع” يزيد لم يكن عمله سيّئاً وليس بأكبر من فعل أبيه وأخيه “ع”، غير إنّ الحكمة اقتضت مقتله لوجوه أكثرها مخفي عن العامّة نذكر منها إثنين:
#الأوّل: مصلحة تعود إليه وإلى الشهداء بين يديه؛ حيث إنّ له درجات مذخورة عند الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن ينالها الّا بالشهادة، وما أرخص الشّهادة في نظره لنيل تلك الدّرجات، وهذا نفسه منطبق أيضاً على أصحابه لينالوا ثوابهم كلّ حسب درجته وإخلاصه.
#الثاني: مصلحة تعود إلى المجتمع، وهو: إعطاء الأمثولة الكاملة للتّضحية في سبيل الله؛ إذ بعد ذلك ماذا يبقى في يد أيّ إنسان الّا ما هو دون تضحيته “سلام الله عليه”، سواء على مستوى الجهاد الأصغر أو الجهاد الأكبر أو أيّ عمل من الأعمال الخاصّة والعامّة، وإنّ الإنسان ليغضي حياءً حين يقارن عمله بعمل الحسين “ع” ويجد البون لا زال شاسعاً إلى غير ذلك». [دور الأمّة في الحياة الإسلاميّة، مع حواشي محمّد الصّدر، مؤسّسة الرّافد للمطبوعات، ط1، ح2، ص24ـ25].
#ولا شكّ عندي إنّ سبب هذه الغنوصيّة والتّكلّف في البيانات هو الابتعاد عن قراءة الأحداث والوقائع التّاريخيّة من دون معطيات قبليّة تؤكّد نظريّة الشّهادة انسياقاً مع نصوص روائيّة خُلقت لهذا الغرض، ونحن نعتقد: لا إنّ استشهاد الحسين بن عليّ “ع” كان بسبب شعوره بالخطر الماحق الّذي لا علاجه له سوى دمه المبارك “ع” حصراً، ولا إنّ استشهاده كان لأجل الحصول على الثّواب وإعطاء الأمثولة الكاملة للتّضحية في سبيل الله تعالى؛ ونعدّ جميع هذه التّحليلات والقراءات بعيدة تمام البُعد عن الأحداث والوقائع التّاريخيّة المتّفق عليها، لكن حيث إنّهم “رحمهم الله” ألزموا أنفسهم من البداية بنظريّة الشّهادة الخاطئة فلم يجدوا بدّاً من طرح تحليلات باطنيّة وغنوصيّة لا تنسجم مع الواقع التّاريخيّ الجزمي، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر