مخالفة الرّواية للقرآن لا تعني عدم صدورها!!

#حملت العقود الأخيرة ظاهرة شديدة الانتشار في الأوساط الاثني عشريّة العامّة، وسرت إلى بعض الأوساط الخاصّة أيضاً؛ ببركة عمائم الجهل بمختلف عناوينها ومسمّياتها، ظاهرة تقرّر: أنّ الرّواية طالما تخالف القرآن فيجب ردّها، بمعنى: إنّها لم تصدر عمّن نُسبت إليه، وعلى هذا الأساس: فإذا وجدوا رواية في الأصول الحديثيّة المعتبرة لأصحابنا الاثني عشريّة ـ كالكافي ومن لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحكام وأضرابها ـ لا تنسجم مع الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة في أذهانهم المعاصرة عن الرّسول وأهل البيت بل وعن القرآن، بادروا مباشرة لرفض صدورها عمّن صدرت منه حتّى وإن صحّ إسنادها بالمقاييس الدقيّة الرّجاليّة، ويقولون في تبرير ذلك: وهل يُعقل أن يصدر منهم ما يخالف القرآن!!
#وفي الحقيقة أنّ هذا الكلام جهالة ما بعدها جهالة؛ وذلك:
#أوّلاً: إنّ هذه النّصوص الرّوائيّة الواردة في أمّهات الكتب الاثني عشريّة المعتبرة كانت مطمئنّة الصّدور لدى أصحابها المؤسّسين، ولم يروا فيها ما يخالف القرآن لا صراحة ولا مضموناً أيضاً، كما أنّهم قد اعتمدوها وأفتوا على أساسها.
#ثانياً: إنّ كون الرّواية تخالف نسخة القرآن المتداولة صراحة أو مضموناً لا يعني عدم صدورها ممّن نُسبت إليه ما دامت مطمئنّة الصّدور منه انسياقاً مع مختلف المباني الرّجاليّة الّتي تقرّر ذلك؛ بل يعني ذلك: إنّ من نُسبت إليه قد خالف نسخة القرآن الواصلة، نعم؛ من يؤمن بكبريات كلاميّة وحديثيّة فاسدة تمنح صفة العصمة العلميّة لمن نُسبت إليه المخالفة يضطرّ من باب ضيق الخناق لردّها عن طريق هذه الكبريات، لكنّه لا يردّها بدعوى عدم صدورها، وإنّما لعدم جواز الاستناد إليها والاحتجاج بها في مقام الإفتاء والعمل، وأين هذا من ذاك.
#ثالثاً: أوضحنا في كتابنا القرآن البعدي بأنّ روايات العرض على الكتاب المنسوبة إلى الرّسول “ص” إنّما هي منحولات وأكاذيب كما هو صريح كلمات معظم علماء الإسلام، أمّا روايات العرض المرويّة عن بعض أهل البيت المعروفين عند الطّائفة الاثني عشريّة فكأنّها تُشير إلى مقياس اجتهاديّ لاختبار سلامة فتاواهم الفقهيّة، ولا تتحدّث عن الصّدور وعدم الصّدور، وهذا ما أشار إليه جملة من الأعلام كما وثّقنا فيما سبق.
#رابعاً: الفاحص الخبير يعرف أنّ أصحابنا يضربون الآيات القرآنيّة عرض الجدار إذا ما تمّ الدّليل الرّوائي عندهم على خلافها، ويبتدعون وجوهاً مذهبيّة وصناعيّة لتبرير صنيعتهم، ولكي نبرهن على هذا المدّعى سنستعين بكلمات الفقيه الاثني عشريّ الفاحص الخبير المرحوم يوسف البحراني المتوفّى سنة: “1186هـ”؛ حيث شدّد النّكير على أولئك الّذين يردّون الأخبار الصّحيحة بدعوى مخالفتها للقرآن، وصار بصدد استعراض الشّواهد الواضحة على مخالفة النّصوص الرّوائيّة لصريح القرآن وإيمان أصحابنا بها وإفتائهم على أساسها، فقال:
#ومن ذلك أخبار الحبوة؛ فإنّ مقتضى عموم الآيات وأخبار الميراث هو كون ذلك ميراثاً لجميع الورثة، مع أنّهم قد خصّوها بالولد الأكبر لهذه الأخبار.
#ومنها: أخبار منع الزّوجة من إرث أصول الأبنية والعقارات؛ فإنّ مقتضى الآيات وجملة من الأخبار هو أنّها ترث من جميع التّركة، مع أنّهم خصّوها بهذه الأخبار.
#ومنها: من عقد على امرأة ومات في مرضه قبل الدخول بها؛ فإنّ مقتضى الآيات والرّوايات وأصول المذهب أنّها ترثه؛ لأنّها زوجته بلا خلاف، مع أنّ صحيح زرارة قد دلّ على المنع، فقالوا بذلك وخصّصوا بها تلك الأدلّة.
#ومنها: ما لو طلّق هو امرأته في مرض موته؛ فإنّها ترث إلى سنة، وإن خرجت من العدّة أو كانت بائنة ما لم يبرء من مرضه أو تزوّج هي، فإنّ مقتضى الأصول والقواعد كتاباً وسنّة أنّه لا ميراث هنا؛ لأنّها صارت أجنبيّة لا سبب لها ولا نسب فكيف ترثه، مع أنّ الرواية قد دلّت على الإرث، وقالوا بمضمونها، إلى غير ذلك من المواضع التي يطول بنقلها الكلام». [الحدائق النّاضرة: ج23، ص279، ح2، ط جامعة المدرّسين].
#وبعد وضوح هذه البيانات ينبغي أن يعرف المتفوّهون بهذا الكلام أحجامهم، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يلتزموا بلوازم كلامهم، لا أن يطلقوا الجهالات دون دراية بما يترتّب عليها، على أنّ هذا كلّه إذا آمنا بأنّ نسخة القرآن المتداولة هي حاصل اهتمام وجمع سماويّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا ما لا يساعد عليه الدّليل، بل الدّليل قائم على خلافه كما أوضحنا ذلك مفصّلاً في كتابنا القرآن البعدي فراجع وتأمّل ودقّق، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر