محمّد الصّدر وعدم معرفته بالاصطلاح الرّجالي!!

#لم يكن المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر يميّز بين الصّحيح والموثّق بالاصطلاح الرّجاليّ عند المتأخّرين من أصحابنا؛ وقد وقع ـ وهو يدرّس البحث الخارج الفقهي ـ في سقطات علميّة مفزعة لا تصدر ممّن هم في أوائل تحصيلهم العلميّ فكيف به وهو يدّعي الأعلميّة على عموم مجايليه بل وأساتذته الأموات أيضاً، أمّا بيان ذلك فيقتضي ذكر مقدّمة قصيرة:
#قسّم المتأخّرون من أصحابنا الخبر إلى: صحيح وموثّق وحسن وضعيف، وعرّفوا الصّحيح بـ: «ما اتّصل سنده إلى المعصوم، بنقل العدل الإماميّ عن مثله، في جميع الطّبقات»، أمّا الموثّق فعرّفه مشهورهم بـ: ما اتّصل سنده إلى المعصوم، بنقل الثّقة غير الإمامي، سواء أ كان شيعيّاً كالفطحيّة والواقفيّة أو كان سنّياً. ولا يعنينا تعريف الحسن أو الضّعيف فعلاً. [راجع في هذا الصّدد: الرّعاية في علم الدّراية وأضرابها من المصنّفات].
#وبعد أن وضحت هذه المقدّمة البسيطة أقول: هناك رواية أخرجها شيخ الطّائفة الإثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن بكير، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله الصّادق “ع”، وجميع رجالها ثقات عند أصحابنا، لكنّ حيث إنّ أحد رجالها ـ وهو عبد الله بن بكير بن أعين ـ من الفرقة الفطحيّة فقد وصفها المتأخّرون من أصحابنا بالموثّقة، ومن هنا نلاحظ: أنّ المرحوم الخوئي يبرّر وصفه لبعض الرّوايات بالموثّقة قائلاً: «ولولا وقوع عبد الله بن بكير والحسن بن عليّ بن فضّال في السّند لعبّرنا عنّها بالصّحيحة، لكنّها موثّقة من أجلهما»، وهذا من الواضحات الّتي يُفترض بأيّ طالب حوزة مبتدئ معرفتها.
#لكنّ الغريب والمفزع أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر تندّر على المرحوم الخوئي لوصفه الرّواية بالموثّقة؛ ورأى: أنّ ذلك خلاف الاصطلاح، والصّحيح: وصفها بالصّحيحة!!
#وهذا الكلام لحدّ هذه النّقطة قد يمكن تبريره بمجموعة من الافتراضات غير الواقعيّة بالنّسبة لشخصه بغية تخفيف الصّدمة؛ كأن يُقال مثلاً: إنّ المرحوم محمّد الصّدر لا يؤمن بفطحيّة عبد الله بن بكير مثلاً، أو أنّه لا يرى صحّة التّقسيم الرّباعيّ للخبر مثلاً… نعم قد نغلق عقولنا ونطرح مثل هذه التّبريرات لصدوره منه، لكنّ السّقطات العلميّة الفادحة من قبل المرحوم محمّد الصّدر لا تقف عند هذا الحدّ، بل تتجاوزه بمراتب؛ حيث توهّم أنّ أسباب وصف المرحوم الخوئي للرّواية بالموثّقة هو: عبيد بن زرارة!!
#قال ما نصّه في مجلس درسه الفقهي في تعليقه على الرّواية الّتي وصفها المرحوم الخوئي كغيره من أصحابنا بالموثّقة: «وهو سند معتبر، والظّاهر: أنّها صحيحة وليست موثّقة، بالرّغم أنّه في المستند [أي مستند المرحوم الخوئي] يسمّيها موثّقة وليست بصحيحة، حبيبي: الموثّقة هي المرويّة عن ثقة، يعني ماذا؟! رجل عامّي ليس إمامي لكنّه منصوص على وثاقته، فيصبح بالاصطلاح موثّقاً وتكون روايته موثّقة، فهل عبيد بن زرارة كان من هذا القبيل؟! أنا الّذي أفهمه إنّه كان إماميّاً إثني عشريّاً [!!]، نعم؛ عيبه لعلّه كما في بالي: إنّه لم يوثّق بالدّلالة المطابقيّة كأن يُقال عنه ثقة في الكتب الرّجاليّة [!!!]، وإنّما ورد عنه أوصاف من المدح موازية ومساوية للوثاقة [!!!]، وهذا يكفي في تصحيحه. فحينئذ الخبر الصّحيح هو: ما يكون راويه إمامي إثنا عشريّ موثّق إمّا بالمطابقة أو بالمساواة بالمطابقة، بحيث يحصل الاطمئنان بوثاقته من مجموع المطالب، وهكذا كما في عمر بن حنظلة؛ حيث أقمت قرائن على شيء من هذا القبيل، وصحّحت روايته، وكذلك بالنّسبة إلى عبيد بن زرارة، فتسميتها بالموثّقة كأنّه خلاف الاصطلاح وفيه مناقشة». [مجلس درسه الفقهي لعام: “1419هـ”.
#والطّريف في البين: أنّ النّجاشي المتوفّى كما هو المشهور سنة: “450هـ” قد نصّ في ترجمة عبيد بن زرارة قائلاً: «ثقة ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شكّ». [ص233].
وفي عقيدتي: أنّ أسباب وقوع المرحوم محمّد الصّدر في أمثال هذه السّقطات العلميّة المخيّبة والمؤسفة هي: عدم كونها من اهتماماته العلميّة أصلاً فضلاً عن عدم مراجعته وفحصه للبحوث الرّجاليّة والفقهيّة وفقدانه لمصادرها عنده أيضاً، وكان يتصوّر أنّ المواظبة وتنويع حضوره لدروس علم الأصول وكتابتها كمسودّات هي الّتي تمكّنّه من استنباط الأحكام الشرعيّة بل وادّعاء الأعلميّة الدّينيّة على الآخرين فيه، مع أنّ حفظ المباني الأصوليّة ـ لو سلّمنا بذلك جدلاً ولا نسلّم ـ بمثابة الصّفر على الشّمال ما دام الباحث لا يعرف أبسط الأمور الحديثيّة والرّجاليّة والفقهيّة، فضلاً عن افتقاده أمّهات مصادرها وعدم معرفته بأسهل اصطلاحاتها… رحم الله الشّهيد، وأسكنه فسيح جنانه، وعمّق في نفوس عشّاقه ومحبّيه روح النّقد والإبداع، وتجاوز لغة المقدّس، وهو من وراء القصد.
#ميثاق_العسر