محمّد الصّدر وعدم الإحاطة بأبسط البحوث الأصوليّة!!

#في أثناء بحث يُسمّى عندهم: “التوصّلي والتعبّدي” طرح الأصوليّ الإثنا عشريّ الشّهير المرحوم محمّد حسين النّائيني المتوفّى سنة: “1355هـ” تحقيقاً صناعيّاً نابهاً تحدّث فيه عن النّسبة المنطقيّة الثّبوتيّة بين الإطلاق والتّقييد واختار كونها من صنف العدم والملكة، وإنّما ذكره هناك ـ ولم ينتظر حتّى حلول أبحاث المُطلق والمقيّد ـ لحاجة فنيّة ترتبط بتصحيح بعض الفروض المطروحة في بحث التعبّدي والتوصّلي، ورتّب على أساس ذلك بعض النّتائج أيضاً، وقد كان لمقرّر بحثه المرحوم الخوئي المتوفّى سنة: “1413هـ” حاشية نقديّة مفصّلة هناك فراجع ولاحظ. [أجود التّقريرات: ج1، ص103، ص113، ط مصطفوي؛ ج1، ص156، 169 ، ط مؤسسة صاحب الأمر].
#وبعد وضوح هذه المقدّمة البسيطة أقول: الّلافت والغريب جدّاً أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر والّذي ادّعى الأعلميّة على عموم مجايليه بما فيهم أساتذته الأموات أيضاً، والّذي جعل مقياس أعلميّته هو التسلّط والإحاطة بعلم الأصول كذلك، تحدّث بحديث لا يكشف عن عدم أعلميّته فقط، بل يكشف عن فقدانه ما هو دونها بمراتب كثيرة أيضاً، وإليك شرح ذلك:
#بعد أن عرض المرحوم الخوئي ـ وهو يتحدّث في مبحث الترتّب ـ مختار أستاذه المرحوم النّائيني من دخول صورة تزاحم الواجب الموسّع والمضيّق تحت باب التّزاحم، قرّر هناك بأنّ هذا المآل سببه ما حقّقه أستاذنا النّائيني في بحث التعبّدي والتوصّلي من أنّ النّسبة بين الإطلاق والتّقييد هي نسبة العدم والملكة، ومن الواضح: أنّ الخوئي يُشير إلى ما قرّره بقلمه لأبحاث أستاذه النّائيني والّذي طبعه في كتاب أجود التّقريرات. [محاضرات في أصول الفقه: ج3، ص92، ط النّجف].
#لكنّ المفجع والمفزع: أنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر ـ وهو يحاضر دروس الخارج الاستدلاليّ في علم الأصول ـ بادر لتسجيل ملاحظته الأولى على كلام المرحوم الخوئي أعلاه قائلاً ما نصّه: «الكلام عن الإطلاق والتقييد إنما يكون أساساً ويُحقق أساساً في مبحث الإطلاق والتّقييد وليس في مبحث التّعبدي والتوصّلي، فقوله [أي الخوئي]: “كما حقّقه في مبحث التوصّلي والتعبّدي” لعله سهو منه؛ وإلّا ففي الفصول الأخرى غير الفصل الأساسيّ الّذي يُحقّق فيه يُذكر ويُشار ويُبنى على صحّته صرفاً ليس إلّا، أمّا أن يُستدلّ عليه ويُحقّق في غير محلّه وهو مبحث التّعبّديّ والتّوصّلي فهذا ليس بصحيح أكيداً». [دروسه في بحث الخارج الأصولي].
#ولم يكتف الصّدر بذلك، بل زاد في شناعة قوله وغرابته زيادة كارثيّة أيضاً حينما قال: «لقد مررنا ببحث التعبّدي والتوصّلي ولم يصدف أن وجدنا استدلالاً فيه على أنّ النّسبة بين الإطلاق والتّقييد هي نسبة العدم والملكة، وإنّما يُحوّل دائماً على المكان الأصلي الّذي هو باب الإطلاق والتّقييد»، وكأن سماحته نسي ما ذكره في الجزء الرّابع من منهج الأصول من إشارات لهذا الموضوع في مبحث التعبّدي والتّوصّلي!!
#يبدو لي إنّ المرحوم الشّهيد لم يكن مطّلعاً لا على تحقيق النّائيني في أجود التّقريرات حول هذا الموضوع في مبحث التّعبدي والتّوصّلي فضلاً عن الحواشي النّقديّة لتلميذه الخوئي عليها، ولا على كلمات الأخير أيضاً في مجلس درسه حينما تعرّض لها ونقدها والّتي يُفترض أنّ المرحوم الصّدر كان قد دوّنها من تسجيلاتها أيضاً، ولا على بحوث أستاذه المرحوم محمّد باقر الصّدر والّذي تعرّض لها في مبحث التعبّدي والتّوصّلي أيضاً وناقشها، كما لم يكن المرحوم الصّدر يعلم أنّ النّائيني لم يكتب كتاباً منهجيّاً تدريسيّاً في علم أصول الفقه على غرار الحلقات لكي يُطالب بفتح البحث في حقيقة التّقابل بين الإطلاق والتّقييد في العنوان المنهجيّ المخصّص له، وإنّما كان يُدرّس دروس الخارج الأصوليّة، والعادة قائمة على تحقيق المسائل حين الاحتياج لها طالما لم تحقّق في محلّها.
#وأخيراً: لا أدري أين أضع دعوى أعلميّة سماحته على عموم مجايليه بما فيهم أساتذته الأموات أيضاً ودروسه الأصوليّة ـ الّتي جعلها أحد أهمّ كواشف أعلميّته ـ تحتوي على مثل هذه السّقطات العلميّة المفزغة فضلاً عن دروسه الفقهيّة؟! ولا أدري أيضاً: كيف يمكن لي إقناع بعض مقلّديه من رجال الدّين بأنّ مثل هذه الهنات الموثّقة والجزميّة ـ ومثلها الكثير الكثير ـ تنقّح لهم موضوعاً آخر بطبيعة الحال إذا ما كانوا يبحثون عن الحجّة الشّرعيّة بينهم وبين ربّهم؟! لكن يبدو أنّنا أمام قطع أسمنتيّة من العواطف ولا أدريّة بعدم الاطّلاع، وهذه آفة العلم، فليتأمّلوا كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر