#رغم كذبة حكاية الأعلميّة وكونها نجشاً يمارسه رجال الدّين لاستقطاب أكبر عدد من المقلّدين وتعميق نفوذهم وسطوتهم ليس إلّا، ولكن: حينما يذهب بعضهم إلى جعل الإحاطة بعلم الأصول وإتقانه هو المقياس في ثبوت أعلميّة الشّخص وبالتّالي وجوب تقليده وحرمة تقليد غيره، فلا يعني هذا: جواز أن يكون المرجع غير عارف بأبسط الأمور الرّجاليّة والفقهيّة والرّوائيّة، وأنّ المهم كلّ المهم هو ذهنيّته الوقّادة في علم الأصول، وحفظه للمباني المتأخّرة وإضافته النّابهة عليها!!
#نعم؛ لا يقول هذا إلّا جاهل لا يعرف كوعه من بوعه [والمرحوم محمّد الصّدر لم ولن يقل ذلك]؛ لأنّ الإحاطة بشخص علم الأصول وحفظ مبانيه وتحليلاته عن ظهر قلب أيضاً تعدّ بمثابة صفر على الشّمال من النّاحية الدّينيّة والحوزويّة إذا ما كان الشّخص لا يعرف فعليّاً ـ وهو قيد احترازيّ مهمّ ـ بدهيّات العلوم الأخرى الّتي تتوقّف عليها عمليّة الاستنباط وفق المقاييس المتّبعة في حوزاتنا وعليها السّيرة والمسيرة، أو كان يفتقد أمّهات مصادرها؛ لأنّ هذا بمثابة تمييع لمفهوم الأعلميّة من النّاحية الشّرعية؛ إذ ما هو الأثر المترتّب عليّ إذا ما عرفت أنّ الكتب الأصوليّة قد خزّنت في هذا القرص المدمج؟!
#بل لو حضرنا دروسه الأصوليّة ووجدناه يحفظ كتاب كفاية الأصول مثلاً عن ظهر قلب فضلاً عن مبانيها وما ترتّب أصوليّاً عليها، وحضرنا دروسه الفقهيّة ووجدناه يجهل أبسط الأمور الرّجاليّة والحديثيّة، فلا شكّ في أنّنا سنجزم بحرمة تقليده فضلاً عن جزمنا بعدم أعلميّته؛ لأنّ الأعلميّة الأصوليّة المدّعاة ليست علوماً منفصلة عمليّاً واجتهاديّاً عن العلوم الرّجاليّة والحديثيّة والفقهيّة ولو في أساسيّاتها المعروفة، وإنّما يهدف علم الأصول إلى بيان الطّرق السّليمة لمسار استنباط الحكم الشّرعي وآليّاته المحكمة وفقاً لمقاييسهم، فإذا كان مدّعي الأعلميّة فيه لا يعرف أبجديّات هذه العلوم ولا يمتلك أمّهات مصادرها، فلم ولن تتنجّز على المقلِّد المسكين أيّ مسؤوليّة بجواز أو وجوب تقليده، بل ستحرم جزماً.
#وفي ضوء هذا الإيضاح: ينبغي أن يضع بعض عشّاق المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر نهاية جزميّة لحكاية أعلميّته في علم الأصول لتبرير وتمييع أخطائه الفادحة والمفزعة في علوم الحديث والرّجال؛ فإنّ مثل هذه الأعلميّة لو تمّت ـ بل تمّ عكسها وبقوّة أيضاً ـ فلا ترتّب عليهم أيّ تكليف شرعي بوجوب تقليده وحرمة تقليد غيره ما دام سماحته يعاني ما يعاني في التّوفّر على أبجديّات العلوم الأخرى في بحوثه الفقهيّة، وبالتّالي: ستكون من قبيل ضمّ حجر إلى جنب حجر آخر من النّاحية الشّرعيّة والدّينيّة، فتأمّلوا فتأمّلوا فتأمّلوا، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر