محمّد الصّدر وتراكم الأخطاء البحثيّة المفزعة!! الحلقة الأولى

#كان الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر زاهداً متواضعاً أخلاقيّاً مخلصاً حريصاً ذهب إلى ربّه مضرّجاً بدمائه؛ فلله درّه وعليه أجره، ولا نريد الحديث عنه في هذه الجوانب المعروفة المشهورة، لكنّا نريد تقييم أدائه العلميّ بحياد وموضوعيّة؛ لمعرفة مدى تناسب ذلك مع حجم مدّعياته بالأعلميّة على عموم مجايليه وأساتذته الأموات فضلاً عن العرض العريض لها ممّا يدّعيه له عشّاقه ومحبّوه، وفي هذا السّياق عرضنا سلسلة من السّقطات العلميّة المؤسفة والكاشفة عن أشياء كثيرة، ووصل بنا المقام إلى تعميق ذلك بشواهد أصرح وأوضح، ولا تقبل التّأويل ولا التّمييع بنحو من الأنحاء.
#وقبل عرض ذلك يتوجّب عليّنا إيجاز بعض المقدّمات:
#المقدّمة الأولى: ليس لصاحب الوسائل الحرّ العاملي المتوفّى سنة: “1104هـ” طريق إلى كتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري الّذي كان حيّاً في أواخر القرن الثّالث الهجري ويُعدّ أحد شيوخ الكلينيّ المتوفّى سنة: “329هـ”، وإنّما عدّه في خاتمة الوسائل من الكتب معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها، وبالتّالي: فهي من قبيل الوجادة لا السّلسلة المعنعنة. [خاتمة الوسائل: ص155].
#المقدّمة الثّانية: هناك خلاف معروف بين أصحابنا المعاصرين في حال مسعدة بن صدقة؛ وذلك لعدم وجود توثيق له في الكتب الرّجاليّة المتقدّمة، وقد عدّه الكشّي بتريّاً، كما جعله الطّوسي عامّياً، ومن يوثّقه إنّما يستند إلى وروده في كتاب كامل الزّيارات أو تفسير القمّي أو لاتّحاده مع مسعدة بن زياد أو لكونه من المعاريف ونحو ذلك من أمور، وهي جميعاً كما ترى. [رجال الكشّي: ص687؛ رجال الطّوسي: ص146].
#المقدّمة الثّالثة: يُعدّ هارون بن مسلم أحد الرّواة الّذين وردت رواياتهم كتب شيوخ الطّائفة الإثني عشريّة، وتشكّل رواياته مساحة لا بأس بها في التّراث الفقهي، ولا إشكال ولا شبهة في وثاقته أيضاً؛ وذلك لوصف أبي العبّاس النّجاشي المتوفّى كما هو المشهور: “450هـ” إيّاه بالثّقة الوجه، نعم؛ تنظّر وتردّد أحدهم بذلك استناداً إلى عبارة النّجاشي الّلاحقة الّتي جاء فيها: «كان له مذهب في الجبر والتّشبيه»، وهو كما ترى بعد التّنصيص على وثاقته؛ مضافاً إلى لزوم ذلك إسقاط وثاقة جملة ممّن لا شكّ ولا شبهة في وثاقتهم عندهم، وهو من أصحاب الهادي والعسكريّ “ع” معاً كما هو صريح عبارة النّجاشي، ولم يرو عنه غمز أو لمز في إمامتهما، بل له كتاب مسائل عن الهادي “ع” أيضاً.
#المقدّمة الرّابعة: احتمل المرحوم الخوئي أن يكون هارون بن مسلم من المعمّرين الّذين وصلت أعمارهم إلى المئة وثلاثين سنة استناداً إلى تسجيل بعض حالات روايته عن أحد أصحاب الصّادق “ع” الّذي مات في حياته، والظّاهر أنّ الأمر ليس كذلك؛ وما ذكر من روايات تقرّر هذه النّتيجة تحتمل التّصحيف على الأظهر، وتفصيل الحديث يُطلب من مظانّه.
#المقدّمة الخّامسة: هناك رواية نقلها الحرّ العاملي في الباب التّاسع والخمسين والسّابع والستّين من أبواب القراءة في الصّلاة من كتابه الوسائل عن كتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري، جاء فيها ما يلي: «عبد الله بن جعفر، في قرب الإسناد، عن هارون بن‏ مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت جعفر بن محمّد “ع” يقول: إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصّلاة والتشهد وما أشبه ذلك؛ فهذا بمنزلة العجم، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح…إلخ». [وسائل الشّيعة: ج6، ص136؛ 151].
#وبعد إيجاز هذه المقدّمات نعود إلى عرض كلمات المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر في التّعقيب على الرّواية الّتي حملتها المقدّمة الخامسة وبيان ما يُمكننا ملاحظته عليه، وسنضع كلماته في نقاط:
#الأولى: رأى المرحوم محمّد الصّدر بأنّ الوقوف على سند هذه الرّواية يُعدّ نافعاً؛ وذلك لأنّ ضعفها وصحّتها ينعكس على الفتوى بطبيعة الحال حسب تعبيره؛ كما أنّ اعتبارها له دخل في حصّة معتدّ بها في تعليم وتعلّم أحكام الصّلاة، ولهذا حسّن التوقّف ولو إجمالاً مع بحث سندها.
#الثّانية: أكّد المرحوم محمّد الصّدر في البداية بأنّ مسعدة بن صدقة ينبغي أن يؤخذ بعنوان مسلّم، أي: مسلّم الوثاقة، ولم يعقّب على ذلك بشيء على الإطلاق!!
#ويلاحظ عليه: مع تصريحه بانحصار الوثاقة بما قرّره المشايخ الثّلاثة إمّا بالمطابقة أو الالتزام، فالمفروض التزامه بضعفه كما أوضحنا الكلام في المقدّمة الثّانية.
#الثّالثة: خصّص المرحوم محمّد الصّدر البحث ثانيةً في الحديث عن هارون بن مسلم، ونصّ بأنّه قد عَلِمَ بعد المراجعة والفحص أنّ عقيدته غير تامّة، وادّعى وجود كلام حول إيمانه بنحو من أنحاء الوقف، أي والتّعبير له: إنكاره لبعض الأئمّة المتأخّرين كالجواد والهادي “ع”، وإيمانه بالجبر أيضاً، لكنّه أكّد على توثيق النّجاشي له بعبارة: “ثقة وجه”، وأفاد بأنّ هذا يكفي في وثاقته بغضّ النّظر عن عقيدته حسب تعبيره؛ استناداً إلى رواية: “خذوا ما رووا ودعوا ما رأوا” بعد تجريد الخصوصيّة عن آل فضّال.
#ويلاحظ عليه: أوضحنا في المقدّمة الثّالثة عدم وجود كلام في عقيدة هارون بن مسلم، ولم يقع الخلاف فيها البتّة، وما نسبه المرحوم محمّد الصّدر من دعوى وقفه على بعض الأئمّة المتأخّرين كلام خالٍ من الدّليل، بل نصّ المتقدّمون على خلاف ذلك أيضاً كما أوضحنا في المقدّمة نفسها، وبهذا يندفع استناده إلى رواية أو حكاية: “خذوا ما رووا”؛ إذ لا كلام في سلامة عقيدته عندهم.
#الرّابعة: ادّعى المرحوم محمّد الصّدر أنّه قد راجع ترجمة عبد الله بن جعفر في كتاب معجم رجال الحديث للمرحوم الخوئي ولم يجد تنصيصاً على روايته عن هارون بن مسلم، كما ادّعى مراجعته لترجمة هارون بن مسلم ولم يجد رواية عبد الله بن جعفر عنه، ولهذا احتمل أن يكون هناك سقط في الإسناد ولعلّه في أكثر من راو، وأفاد بأنّ هذا الاحتمال لم يلتفت إليه المرحوم الخوئي!!
#ويلاحظ عليه: خلافاً لما أفاد؛ فإنّ المرحوم الخوئي نصّ في ترجمة عبد الله بن جعفر بن الحسن المرقّمة في معجمه بـ: “6766” على روايته عن هارون بن مسلم، نعم؛ لم يذكرها في ترجمة الأوّل في عنوان: “طبقته في الحديث”، لكنّها ذكرها في عنوان: اختلاف الكتب، كما نصّ عليها بوضوح في التّرجمة الّتي حملت عنوان: عبد الله الحميري المرقّمة: “7252”، كما جاء ذلك في ترجمة هارون بن مسلم المرقّمة: “13270” أيضاً فلاحظ، وبهذا يندفع ما ذكره من احتمال السّقط في الرّواية وزاد في شناعة الاحتمال حينما احتمل وجود أكثر من واحد؛ فإنّ رواية عبد الله بن جعفر المباشرة عن هارون بن مسلم كثيرة جدّاً ومشهورة لا تخفى على ذي مسكة. [يُتبع].
#ميثاق_العسر