#رافقت تصدّي الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر للمرجعيّة أخطارٌ شديدة لا زالت الحوزة النّجفيّة بوجودها الواقعي تنوء بها منذ تسعينيّات القرن المنصرم؛ إذ سعى الرّاحل الشّهيد سعياً حثيثاً وشديداً لزيادة أعداد المعمّمين كمّاً لا كيفاً، ومنحهم مسؤوليّات إجرائيّة وتنفيذيّة وعلميّة؛ انسياقاً مع تصوّراته وقناعاته الّتي ترى ضرورة الإبقاء على عنوان الحوزة حتّى لو كان ذلك عن طريق المثل العراقيّ المعروف: “من قلّة الخيل شدّوا… إلخ”.
#ولهذا ـ وربّما لغيره ـ زحفت أعداد كبيرة من محبّيه نحو الدّراسات الحوزويّة، وتلقّت الدّراسة على طريقة “شلّه وأعبر” وفق برنامج الوجبات السّريعة الّذي كتبه بنفسه وأكد عليه لتخريج مجتهدين وأساتذة، فكانت معاناة الحوزة في ظلّ تلك الظّروف الخانقة أشدّ وأمرّ، وازدادت الأمور سوءاً وضراوةً حينما رحل “رحمه الله” عن هذه الدّنيا مبكّراً بسبب إخلاصه وحرصه وتفانيه، فتحمّل هذا الجيل من معمّمي الوجبات السّريعة مسؤوليّة إخراج جيل حوزويّ تكوّن على طريقة تكوينهم نفسها، وأخذ يفكّر بأفقهم وأدواتهم أيضاً.
#على أنّي: لا أريد أن اتحدّث عن الاستثناءات والنّوادر الّذين كان همّهم العلم وسعوا جاهدين لتطوير لياقاتهم وقابليّاتهم وتكثيف جهودهم الدّراسيّة بعد شهادة المرحوم؛ فهؤلاء نوادر وينبغي أن يتفهّموا كلامي جيدّاً ويخرجوا أنفسهم من مقاصده، لكنّي اتحدّث عن ظاهرة معروفة لا تخفى على ذي مسكة.
#ينبغي عليّ أن أؤكّد على أنّ جملة معتدّ بها ممّن تكوّن في تلك المرحلة شكّل ولا زال يشكّل عبئاً كبيراً وعقبة كؤوداً في طريق العلم والدّراسات الحوزويّة؛ إذ لم يتذوّقوا طعم العلم في يوم ما سوى فتات هنا أو هناك، وجعلوا أفقهم العلمي ومطمح آمالهم ورؤاهم هو ما دون أفق المرحوم الشّهيد بمراتب، ولهذا كانوا ولا زالوا يعتقدون أن سماحته نهاية العلم، ولم يسمحوا لأنفسهم أن يفكّروا ـ ولو لهنيئة ـ بوجود علم عند غيره، بل راح بعضهم يحسب أنّ العلم انتهى بموته وفقدانه!! وهكذا حتّى جاءت السّياسة فلعبت لعبتها، واستغلّ بعضهم ظروفها فطرح مرجعيّته، فاستحكمت العسكرة وتسيّد الجهل.
#وفي ظلّ هذه الظّلاميّة والخيبة الشّديدة رأينا أنّ أفضل طريق يمكن من خلاله فتح كوّة صغيرة في دهليز الّلا نور هو: أن نبادر لعلاج الصّدمة من خلال استعراض تراث الرّاحل الشّهيد أمام الملأ ورؤية حجم الكوارث و “الطّراگيع” الكارثيّة فيه؛ عسى أن يستفيق هؤلاء ويميّزوا بين مقام الإخلاص والحرص والتّفاني وطيبة القلب الّتي كانت لدى الرّاحل الشّهيد، وبين مقام العلم والفقاهة المدّعى له، وأنّ ثبوت أحدهما لا يعني ثبوت الآخر بالضّرورة، ولا ملازمة بينهما على الإطلاق، وقيمة كلّ شيء بدليله، ومن غير هذا التّمييز سنكتب نهايتنا العلميّة بأنفسنا، فليّتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_ العسر