#أقدّر تماماً عاطفة بعض محبيّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر وعشقهم إيّاه إلى درجة الفناء والجنون، الأمر الّذي يجعلهم لا يتصوّرون ـ ولو لهنيئة ـ احتمال اشتباهه وخطئه في جزئيّة صغيرة، فكيف وهم يشاهدون الاشتباهات تترى في بحوثه الفقهيّة الاستدلاليّة الّتي كان يضارع الآخرين بأعلميّته من خلالها…نعم أقدّر جميع ذلك واتفهّمه، لكنّي رأيتهم يتمادون أكثر وأكثر في الدّفاع المفزع والمخجل في الوقت نفسه عن هذه الاشتباهات والأخطاء الجسيمة الّتي لا يُلبس عليها ثوب، فقالوا: إنّ ما ذكره مولانا المقدّس في نفي ثبوت وثاقة جملة من أجلّاء الطّائفة وعلمائها ناشئ من اجتهاد خاصّ به، وهو لا يؤمن بقداسة توثيقات وتضعيفات الكشّي والطّوسي والنّجاشي حتّى الأخير، بل له رأيه الخاصّ بها، فيناقشها أحياناً، ويثبت بطلانها، ولعلّ ما ذكره في تضعيف هؤلاء الأجلّاء من هذا القبيل!!
#سأنساق مع هذا البيان العاطفي مؤقّتاً، واتفهّم مشاعر أصحابه الجيّاشة، لكنّي أريد اليوم أن أذبحه من الوريد إلى الوريد، وأضع نهاية حتميّة له؛ من خلال ذكر كلام للمرحوم الشّهيد محمّد الصّدر نفسه، والّذي يقرّر كونه مقلّداً لأصحاب الأصول الرّجاليّة المعروفة دون جدل ونقاش، وينيط التّوثيق بهم حصراً، وبذلك يتجلّى سقوط أمثال هذه التّأويلات العاطفيّة عن الاعتبار حتّى في الرّواة العاديّين، فكيف وحديثنا في أجلّاء الطّائفة المتّفق على وثاقتهم؟!
#قال المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر في مجلس درسه ما نصّه بصياغة منّا: «لا يُشترط في قبول الرّواية عندنا أن يكون راويها شيعيّاً إماميّاً بالضّرورة، لكنّنا نشترط وثاقته بالضّرورة، وبتعبير أوضح: أن يكون موثّقاً من قبل موثِّقينا، أي: من قبل المصادر الأساسيّة عندنا، كالنّجاشي والشّيخ والكشّي، فإذا وثّقوا شخصاً أخذنا بروايته حتّى ولو لم يكن إماميّاً أو شيعيّاً، أمّا إذا لم يوثّقوا شخصاً فسوف يسقط عن الوثاقة بطبيعة الحال؛ إذ لا هو إماميّ كي تكون روايته حسنة، ولا هو موثّق لتكون روايته موثّقة، وهذا يعني: كون روايته ضعيفة، ومن الواضح: أنّ الضّعيف لا يؤخذ به. ولا يخفى أيضاً: لا اعتداد بتوثيق الآخرين أيضاً، سواء أكانوا من داخل المذهب أو خارجه، ولعلّ الأرجح عدم الاعتداد حتّى بتوثيقات العلّامة في الخلاصة لكونه من المتأخّرين، وإنّما توثيقه عكسيّ كغيره، خلافاً لأصحاب الأصول الرّجاليّة المعروفة؛ فإنّه حسّ أو ما يقرب من الحسّ، وحينئذ يكونوا حجّة، أمّا من تأخّر عنهم بثلاثمائة سنة فلا اعتبار لتوثيقه وتضعيفه فضلاً عمّن تأخّر عنه حتّى لو كان إماميّاً ناهيك عن غيره، والعمدة هو: توثيق أصحاب الأصول الرّجاليّة المعروفة، ومع عدم صدور التّوثيق منهم فستكون الرّواية ضعيفة بطبيعة الحال». [من مجلس درسه الفقهي].
#اعتقد أنّ الأخطاء الصّادرة من المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر في مجلس درسه أكبر بكثير من إمكانيّة إخفائها ولملمتها وتسويفها وتمييعها بمثل هذه البيانات، وينبغي الاعتراف ـ وإن كان الاعتراف مرّاً وثقيلاً جدّاً ـ بأنّ هناك خطأ واضحاً في المعادلة يجب وضع اليد عليه وكشفه، أمّا الاستمرار بلغة المولى المقدّس والخلط بين المقامات فهذا لا ينتج سوى لغة الجهل والتّجهيل، رحم الله الشّهيد، وأسكنه فسيح جنانه، وهو دائماً من وراء القصد.
#ميثاق_العسر