محمّد الصّدر الأعلميّة في الأصول واختبار بسيط!!

#يكثر المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر من التّأكيد على أعلميّته في علم أصول الفقه الإثني عشريّ على عموم مجايليه بما فيهم أساتذته الأموات؛ حيث يعتبر نفسه متقدّماً خطوة عليهم، ولا شكّ في أنّ هذا الكلام أبعد ما يكون عن الصّواب، وهو ناشئ في أغلب الظّن من توهّم منبثق من قلّة الاطّلاع؛ على طريقة من يصل إلى قناعة اجتهاديّة بينه وبين نفسه، فتنشأ عنده حالة نفسيّة يتخيّل فيها عدم إمكان مخالفتها من قبل غيره، فيدّعي قيام الإجماع عليها، وكم له من نظير.
#لكنّي اليوم سأضرب مثالاً بسيطاً يكشف لنا: لا خطأ هذه الدّعوى وعدم مطابقتها مع الواقع فقط، بل يُظهر لنا فقدان المرحوم الشهيد ما هو أدنى من هذه الدّعوى بمراتب كثيرة جدّاً، وأتمنّى على المتابع الجادّ أن يعيرني سمعه وفهمه قليلاً، ويدقّق فيما أكتب وأقول، وأن يفهم جيّداً: إنّ إسقاط مدّعياته العلميّة لا يعني إسقاطاً لإخلاصه وورعه وتقواه وغير ذلك من مزايا حميدة حملها “رحمه الله”؛ لكنّهما مقامان مختلفان، فتنبّه ولاحظ.
#واحدة من أهمّ أدلّة حجيّة خبر الثّقة المبحوثة في كلمات مشهور علماء أصول الفقه الإثني عشريّ المعاصرين هي الرّواية الّتي تُسمّى عندهم بصحيحة الحميري، والّتي أوردها الكلينيّ المتوفّى سنة: “329هـ” في كتابه الكافي كأوّل رواية في باب حمل عنوان: «في تسمية من رآه “ع”»، بإسناده الصّحيح عندهم، والّتي حملت الفقرة المشهورة والمتداولة على ألسن عموم المحصّلين من دارسي علم أصول الفقه الإثني عشريّ بل وما دونهم أيضاً وهي: «العمريّ ثقتي؛ فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول؛ فاسمع له وأطع؛ فإنّه الثّقة المأمون». [الكافي: ج1، ص329].
#ومع إغماض الطّرف عن قناعتنا الاجتهاديّة في خصوص هذه الرّواية سنداً ودلالةً، وهو أمر ليس هنا محلّ ذكره، لكنّ سندها لا شكّ ولا شبهة فيه عند أصحابنا الإثني عشريّة، وقد ادّعى المرحوم محمّد باقر الصّدر وجود «القطع أو الاطمئنان الشّخصي [لديه] بعدم تعمّد شي‏ء من رواتها للكذب فيها لخصائص في سندها»، قائلاً: «فمثل هذه السّلسّلة الذهبيّة ممّا يطمئن بصدق تمام رواتها»، وأنّ «هذا السّند من أعلى الأسانيد الّذي أفراده كلّهم أصحّاء بالوجدان لا التّعبد». [بحوث في علم الأصول، محمّد باقر الصّدر، تقرير: محمود الهاشمي: ج4، ص391؛ 392].
#وفي محلّ كلامنا أيضاً فليس لنا علاقة بهذه الرّواية ولا نريد التّعرّض لها، ولا نريد الحديث عنها أصلاً، لكنّ ما يهمّنا منها راو واحد في سندها تكرّر كثيراً في روايات أخرى، وهو: “محمّد بن عبد الله الحميري”، والّذي قرّر محمّد باقر الصّدر أنّ كلمة الأصحاب متّفقة «على توثيقه، وجلالة قدره، ومكانته، وأنّه كان له مراسلات مع الإمام “ع”». [المصدر السّابق نفسه، ص391].
#وبعد وضوح هذه الواضحات عندهم، هل تصدّق إذا ما عرفت بأنّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر والّذي ادّعى الأعلميّة الأصوليّة على عموم مجايليه بما فيهم أساتذته الأموات أيضاً يقرّر في مجلس درسه الفقهي وفي أُخريات حياته أيضاً: بأنّ محمّد بن عبد الله الحميري لم يوثّق، وقد كرّر هذا المطلب أكثر من مرّة وفي أزمنة مختلفة؟! مع أنّ هذا المطلب لا يحتاج إلى مراجعة رجاليّة ولا إلى فحص في الأسانيد، بل هو مطلب يعرفه أبسط طالب درس علم أصول الفقه بشكل متوسّط فضلاً عمّن يدّعي الأعلميّة فيه.
#وأخيراً: أنا لا أعبأ ولا اكترث بتأويلات وترقيعات محبّي سماحته وعشّاقه ممّن لم يدرسوا في الحوزة يوماً، وأعذرهم كثيراً على ما يكتبون وينحتون ويولولون، بل وما يتّهمونني فيه شخصيّاً بأنواع الاتّهامات والافتراءات الممزوجة بأنشودة “يلاكونه لو بيهم زود”، لكن حينما أقرأ لبعض من وضع على رأسه عمامة ويُفترض به أنّه قد درس شيئاً ولو بسيطاً من العلوم الحوزويّة ومع هذا يقاتل في سبيل تأويل هذه السّقطات العلميّة الفاضحة وتمييعها وتكذيب من وضعها بصوت صاحبها بشكل شفّاف جليّ لا شكّ ولا شبهة فيه، فحينها تتثاقل المسؤوليّة على كاهلي، وأجزم أنّ الأخطار الّتي خلّفها المرحوم الشّهيد مدمّرة وكارثيّة، وينبغي أن نحفظ للعلم هيبته ووقاره، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر