#أكثر ما يُقلقنا ويدعونا للتّأمّل كثيراً هو: فقدان الشّفافيّة الماليّة في مصير الأموال الّتي كانت تصل بشكل منتظم إلى الأئمّة المتأخّرين بدءاً من الكاظم “ع” وانتهاءً بمن يُطلق عليهم السّفراء الأربعة؛ فمع جزمنا بوصول مبالغ نجوميّة في حينها لهم، لكنّا لا نعثر إلّا على فتات روائيّ ينصّ على مصير جزء صغير جدّاً منها.
#وهذا الأمر وإن كان واضحاً عندنا؛ لوقوعه في سياق الكبرى المذهبيّة الباطلة الّتي ترى: إنّ هذه الأموال هي حقّ شخصيّ كان يراها صاحبها لنفسه مهما تكثّرت عناوينها، وهي على طريقة المثل العراقيّ الّذي يقول: “الي عنده مركه يبديها على زياكه”، لكنّه ليس كذلك عند من يحاول ادّعاء أنّها كانت لغرض قضاء حوائج المؤمنين من الشّيعة في ذلك الوقت.
#ولهذا اضطرّ المرحوم الشّهيد محمّد الصّدر إلى الانطلاق من مصادرة مذهبيّة عميقة لتفسير ندرة وجود أخبار تتحدّث عن توزيع المال من قبل ما يُطلق عليهم السّفراء الأربعة، حيث نصّ قائلاً: «فالتوزيع كان يقع سرّيّاً للغاية بعيداً عن أعين الدولة، ولا يصرّح به إلّا نادراً، ومن هنا لم تصلنا أخباره، ولعل الأغلب هو توزيع الأموال على الأسلوب التجاري، أي يعطي الفرد بصفته دائناً مثلاً حتّى لا يكون مثاراً للشّكّ لا لدى السلطات». [تاريخ الغيبة الصّغرى: ص482ـ483].
#ومن الواضح: إنّ هذه المصادرة ترتكز على مجموعة افتراضات مذهبيّة عميقة قد دلّ الدّليل على بطلانها وفسادها أيضاً، وهي ناشئة من حكاية الأطروحات الّتي ينتهجها ويطبّقها “رحمه الله” خطأً في كثير من الموارد حتّى أضحت سمةً غالبة لعموم أطاريحه بسبب عدم الفحص والتّنقيب، والأسلوب التّجاري الّذي ظهر من بعض النّصوص ناتج من مضاربات ماليّة كان يقصدها أصحابها بعنوانها الأوّلي ولا حاجة لافتراض عناوين ثانويّة أخرى لتأويلها ما دام المال شخصيّاً، كما لا معنى لاستنباط حكمٍ شرعيّ يلزم المكلّفين بضرورة دفعها في عصر ما يُصطلح عليه بالغيبة الكبرى؛ لأنّ الأموال الشّخصيّة تبقى شخصيّة حتّى وإن ولّدنا ستّين عنواناً مذهبيّاً فاسداً لقبضها وإقباضها.
#وصفوة القول: ما لم نفكّك أقفال الطّوق الكلاميّ الّذي طوّقنا به شخوص تلك المرحلة، ونناقش نصوصهم وأفعالهم بالمقاييس العقلانيّة المتّفق على سلامتها، فسنبقى نتقهقر يوماً بعد يوم، وسنبقى ندفع وندفع وندفع دون أن نتقدّم خطوة للأمام في تفسير النّصوص وتقييم ممارسات أشخاصها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الإمامة_الإلهيّة
#المهدويّة_الإثنا_عشريّة