#أكثر ما يستفزّني وأنا أعرض نصوصاً روائيّة واردة في أمّهات الكتب الحديثيّة الاثني عشريّة للمؤسّسين، ومصحّحة ومعتبرة ومعتمدة من قبلهم، بل وبعضها صحيح الإسناد حتّى عند مقلِّدة مقلِّدتهم من المتأخّرين والمعاصرين، أقول أكثر ما يستفزّني هو: الجهالات الّتي لقّنتها بعض المنابر الاثني عشريّة بعرضها العريض لجماهيرها؛ حيث أقنعوهم بأنّ ما لا يتلاءم مع الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة الّتي رسموها في أذهانهم عن أهل البيت إنّما هو زخرف باطل لم يصدر منهم ولم يثبت عنهم، وهو من وضع الوضّاعين وانتحال المبطلين، والهدف منه تشويه سمعتهم ونصاعة صورتهم…إلخ من جهالات معروفة.
#تستفزّني مثل هذه الجهالات لأسباب كثيرة منها:
#أوّلاً: إنّ أمثال هذه النّصوص الّتي يرميها هؤلاء بالوضع والبطلان والمنحوليّة إنّما رواها أصحاب الأئمّة أنفسهم، وأدرجوها في مصنّفاتهم وأصولهم، واعتمدها الكليني والصّدوق والطّوسي وأمثالهم في كتبهم ومصادرهم، فلماذا صارت هذه باطلة متهالكة فاسدة، وصار غيرها ممّا رواه هؤلاء وأمثالهم واعتمدها مؤسّسو المذهب وأضرابهم، صحيحة ونقيّة الإسناد والمضامين؟!
#ثانياً: لو كان هؤلاء المنكرون لهذه النّصوص قد عاشوا مع الأئمّة وجهاً لوجه، وعرفوهم عن قرب وحسّ، فسيحقّ لهم أن يُنكروا أمثال هذه النّصوص ويضربوا بها عرض الجدار؛ لأنّهم يرونها لا تنسجم مع ما عايشوه وعاينوه بأمّ أعينهم، ولكنّ: لمّا كان هؤلاء يستقون كلّ معلوماتهم عن الأئمّة من خلال الكليني والصّدوق والطّوسي وأمثالهم فلا معنى لأنّ يرفضوا هذه ويقبلوا بتلك؛ إذ حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد.
#إن قلت: أ لا يحقّ لنا أن نعكس هذا الاعتراض عليك فنقول: إنّك تذهب إلى روايات مغمورة في تراث الكليني والصّدوق والطّوسي وأشباههم فتوردها، وتؤسّس رؤية على أساسها، لكنّك لا تعتمد على الرّوايات الكثيرة الأخرى الواردة في تراث هؤلاء أنفسهم، والّتي تتناقض مع ما أسّست له وتدحضه من رأس؟!
#قلت: الفرق بين الأمرين واضح وجليّ عندي؛ لأنّني ـ كباحث محايد ـ أحاكم تراث المذهب الاثني عشريّ وفقاً لمقولات مؤسّسيه وعلمائه الكبار، وبالتّالي: فحتّى لو آمنت بحقّانيّة مؤدّى أ ولوازم ما أوردته من نصوص وصفت بالمغمورة وأخبار الآحاد بسبب قلّة التّتبّع والفهم، إلّا أنّي لا أؤمن بحقّانيّة مؤدّى أو لوازم غيرها بمعنى: تنجيزها وتعذيرها وإن صحّ أسنادها لمن نُسبت إليه عندي، بل وحتّى إن كان طريق هذه وتلك واحد أيضاً، وذلك: لأنّ إمامة الشّخص وعصمته وعلمه الّلدنّي… وغير ذلك من مقولات مذهبيّة معروفة ومشهورة وراكزة في المذهب الاثني عشريّ لا تثبت عندي لا بروايات الشّخص ولا بمرويّاته، وعليه: فأيّ رواية وردت في هذه الكتب المعتبرة وهي مبتلاة بهذا الإشكال فلا قيمة لها عندي في مقام الاحتجاج وإثبات هذه المدّعيات الكبيرة لأصحابها، نعم؛ قد تمتلك قيمة في إثبات جوانب أخرى إمّا بالمطابقة أو بالتضمّن أو بالالتزام، وهذا شيء آخر غير ما يُراد إثباته منها، فبان الفرق بين المسارين، فتفطّن ولا تخلط.
#وصفوة القول: ما لم تعرف هذه المباني، وتقف وقفة الخبير الفاحص لها، ستبقى تخبط خبط عشواء، وترمي كاتب السّطور بالانتقائيّة والتّبعيض وفقدان المنهج، وهي أوصاف أنسب براميها من غيره، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر