لندرس مشاكلنا بصراحة

30 يناير 2012
2070

ما نطلبه اليوم ـ كضرورة لتقدّمنا الحياتي ـ أن نكون صريحين مع أنفسنا، وأن تكون الصراحة هي السبيل الذي نجابه بها مشاكلنا التي يعيشها واقعنا الديني والاجتماعي والفكري، فلا نسلك السبل الملتوية في بحث هذه المشاكل، ولا نتناولها بطريقة اللفّ والدوران؛ فإننا إذا فعلنا ذلك فلن نجني إلا التشتّت والضياع والبُعد عن واقع المشكلة وحقيقتها، وهذا ما نحاول أن نتلافاه، ونريد أ ن نتخلّص من آثاره وعقابيله.
فهناك العديد من الطفيليات التي نشأت في أحضان ظروف معيّنة، نتيجة مؤثرات خاصّة، فلم نقتصر فيها على تلك الظروف وعلى تلك المؤثرات، وإنما مدّدناها إلى أبعد مجال من مجالاتنا العلميّة والعقائدية حتى كأنها ضرورة من ضرورات واقعنا الحياتي، في الوقت الذي ربما تكون خطراً على كياننا وثقافتنا وعقائدنا.

وتوغلت هذه الطفيليات في نفوس السُذّج من الأمة حتى أصبحت جزءً لا يتجزأ من العقيدة لديهم، وقضية حيوية من قضاياها، الأمر الذي جعل مناقشتها ومحاكمتها على أساس منطقي شيئاً خطراً على الدين والعقيدة في نظرهم، ولذا فهم لا يمتنعون من أن يلصقوا أيّ تهمة باطلة بأيّ إنسان يحاول أن يسلّط الأضواء على مثل هذه الأمور… .

وهكذا بدأنا نلمح في حياتنا العامّة الكثير الكثير من هذه الطفيليات، دون أن نجرأ على تحليلها وتناولها بشيء الدقّة والعمق والاتزان، مما أدّى إلى أن يعتبرها الكثيرون ـ جرّاء هذا السكوت ـ جزءً من عقيدتنا وديننا، فهاجموا هذه العقيدة وهذا الدين على أساس وجود هذه الطفيليات فيه، وهذا ما نجده في مؤلفات الكثير من المستشرقين، وأصحاب العصبيّة العمياء، ممن قد تمنعهم عصبيتهم وأغراضهم الخاصة من أن يبحثوا ويتعمّقوا لتكون أحكامهم أكثر عمقاً واتزاناً في ميزان البحث والتحليل.

نعرض هذا أمام المصلحين الدينيين الذي يعون دقّة المرحلة التي نمرّ بها؛ لننبّه إلى خطر هذا السكوت وهذا الإهمال على الإسلام؛ نظراً إلى أن بقاء هذه الأمور على قدسيتها في نفوس العامّة من الناس وتأثيرها على مجرى حياتهم العملية يوجب تشويه الإسلام في النفوس.

كما أن عقيدة الخوف من العامّة قد تجرنا إلى مزالق خطرة في ميدان الفكر والعقيدة؛ لأنها لا تصدر في معارضتها عن وعيٍ واتزان، وإنما تصدر عن عاطفة بدائية، وعن خوفهم من تغيير الحالة التي درجوا عليها، والتفكير الذي عاشوا في أفقه.

وإذا نظرنا إلى التأريخ وجدنا أن البسطاء من الناس وعوامهم قد شاركوا مشاركة فعالة في عرقلة الكثير من المشاريع الإصلاحية التي قام بها المصلحون الدينيون؛ فقد وقفوا أمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام عندما كان يحاول إزالة بعض الزوائد التي علقت بالإسلام نتيجة بعض المؤثرات وبعض الظروف، ومنعوه من تنفيذ خطته الإصلاحية التي لو قدّر لها أن تنفذ لوفّرنا الكثير من الجهد الفكري الذي نبذله في تنقية ما علق بالإسلام وما شاب أحكامه من شوائب.

ولم يكن الوقوف أمام معارضتها ـ في ذلك الوقت ـ أمراً عملياً بالنظر لما أحاط به من مشاكل داخلية وخارجية.

وفي الأيام القريبة الماضية التي مرّت بنا تأثّر البعض من الناس بالنظر إلى ضعف تفكيرهم بدعاية الشيوعية وأحابيلها، فلم يهضم هؤلاء موقف العلماء من الشيوعية والحكم بتكفيرها وإلحادها…؛ بحجّة أن هذا يعتبر تدخلاً في السياسة وهذا ما يحظره الدين على العلماء في نظرهم، ثم يضيفون إلى ذلك: أن الشيوعية ليست لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، ولذا فليس من مهمة العلماء واختصاصهم الوقوف أمامها، أو أمام أيّ تيّار سياسي آخر.

ولولا الجرأة التي تحلّى بها علماؤنا الأعلام، ولولا الصراحة النقيّة التي جابهوا بها هذه المشكلة الخطرة؛ لما وقف هذا التيار عند حدّه، ولما وضحت القضية لبعض السذّج من الناس بعد ذلك.

وهكذا نرى أن علينا أن نكون صريحين في مجابهة مشاكلنا التي يثيرها ما علق بأذهان عموم الناس من طفيليات وخرافات، وإلا فقد يجيء الوقت الذي لا نستطيع فيه معالجة هذه القضايا فضلاً عن الوقوف أمامها، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.
) مجلة الأضواء، السنة الأولى: العدد 22، ذي العقدة، 1380هـ ق.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...