#لا يمكن للباحث الّذي تهمّه غيبة المهدي “ع” وفلسفتها أن يتجاوز التنظيرات الّتي طرحها المرحوم السيّد المرتضى “436هـ” في بحوثه الكلاميّة؛ فهي تُعطي للباحث المحايد ـ وليس المذهبي ـ صورة جليّة عن حجم الأفق الّذي كان يحكم متكلّمي وفقهاء تلك المرحلة سواء في فلسفة الغيبة أو في مدّتها وطولها… وفي هذا السّياق دعوني أنقل لكم نصّاً من كتابه الشّهير: تنزيه الأنبياء، يعرض فيه إشكالاً كان متداولاً ـ بالإضافة إلى غيره من الإشكالات ـ بقوّة في تلك الأيّام، ويجيب عليه بطريقة كانت هي الطّريقة الرّسميّة الّتي كان متكلّمو الشّيعة وفقهاؤهم يسوّقونها بقوّة في تلك الأيّام أيضاً… قال المرحوم السّيّد المرتضى:
#إن قال قائل فما الوجه في غيبته “ع” واستتاره على الاستمرار والدوام، حتّى أنّ ذلك قد صار سبباً لنفي ولادته وإنكار وجوده؟!… قلنا: أمّا الاستتار والغيبة فسببهما إخافة الظالمين، ومن أخيف على نفسه فقد أحوج إلى الاستتار، ولم تكن الغيبة من ابتدائها على ما هي عليه الآن [والكّلام بعد ما يقرب من قرنين من ولادته “ع” المفترضة]؛ فإنّه في ابتداء الأمر كان ظاهراً لأوليائه غائباً عن أعدائه، ولما اشتدّ الأمر وقوي الخوف وزاد الطلب، استتر عن الولي والعدو، فليس ما ذكره السائل من أنه لم يظهر لأحدٍ من الخلق صحيحاً» [تنزيه الأنبياء: ص180].
#أقول: من يقرأ هذا الكلام يعرف تماماً أفق المؤسّسين للمذهب وكيفيّة تعاطيهم مع الغيبة وفلسفتها، وهذه الكيفيّة من التّعاطي ربّما تكون مُقنعة لمن عاصر تلك المرحلة وبعض الأجيال الّتي تلتها، لكنّها تُخفق في إقناع صنف كبير من الأجيال الواعية “المعاصرة والقادمة” والّتي أصبحت تنظر للإله وخالق الكون نظرة مختلفة تماماً؛ إذ كيف يمكن إقناعهم بأنّ إلهاً خطّط لمشروع إلهيّ كبير، وحفّ صاحبه بعنايات غيبّة بالغة منذ مئات السّنين، وفي نفس الوقت أخفاه وستره وغيّبه خوفاً عليه من الأعداء؟! #لا شكّ إنّ مثل هذا الإله العالم الحكيم العادل لا يمكن أن يُلزم عباده بمعتقد وهو لم يوفّر لهم أبسط المسوّغات البدائيّة للتّصديق به.
#وعلى هذا الأساس: فإمّا أن نشتغل جادّين على إيجاد مسوّغات إقناع حقيقيّة غير مذهبيّة ولا طائفيّة ولا عاطفيّة لأمثال هذه المفردات، وإمّا أن نفعّل قانون المعذّريّة والمنجّزيّة الأصولي بعرضه العريض في هذا الموطن وغيره أيضاً، ومن غير ذلك سنسهم بشكل وبآخر في زعزعة ثقة أبنائنا بنا وبالأناقة الفكريّة بخصوص معتقداتنا، والله من وراء القصد.