كان عليّ بن أبي طالب يطبّق أقوال الرّسول وسيرته في الحروب أفضل تطبيق، وكان كثيراً ما يشحذ همم جنوده ويحثّهم على القتال عن طريق الخديعة الدّينيّة بأوضح صورها؛ فكان حينما يصل إلى الصّخرة يقول وأصحابه ينظرون: الله أكبر، صدق الله ورسوله… صخرة!! وحينما يصل إلى دجلة يقول: الله أكبر، صدق الله ورسوله… دجلة!! فيحسب النّاس من حوله أن شيئاً قد سمعه من الرّسول ورأى ما يطابقه ويثبّته هو ما دعاه لقول ما قال، فتشتدّ عزيمتهم الإيمانيّة ويتصاعد المدّ، لكنّه يقول لمقرّبيه بعد ذلك حينما يسألونه إن كان قد سمع شيئاً من الرّسول: أنّ الحرب خدعة، وأردت بذلك شحذ هممكم لا غير!!
بلى؛ ممارسة عليّ للخديعة الدّينيّة في الحروب مع أعدائه ولأجل شحذ همم مقاتليه عن طريقها قد جاءت في كتب الفريقين معاً، وفيها نتائج خطيرة جدّاً وفق المنهج المختار سنعرض لها في الوقت المناسب، وإذا أردت أن تكذّب هذه النّصوص وتنساق مع منحولات عليّ المذهبي ـ لا الحقيقيّ ـ الواردة في نهج البلاغة وأوهام صورته المثاليّة المرسومة في ذهنك فهذا شأن يخصّك، لكن لا يحقّ لك اتّهام الآخرين ممّن ينقلون هذه الحقائق الواردة في صحاح المسلمين بأنّهم يهدفون إلى إسقاط رمزيّة عليّ في نفوس النّاس؛ فهناك فرق بين عليّ المذهبي ورمزيّته، وبين عليّ الواقعيّ ورمزيّته، والّذي ينبغي أن يسود ويتعمّق هو الثّاني دون الأوّل، فتدبّر وافهم، والله من وراء القصد.