عليّ “ع” يصطفي الجارية لنفسه ويواقعها!!

#كان عليّ بن أبي طالب “ع” صحابيّاً كغيره من الصّحابة يُؤمر بالقتال ويُرسل للغزو والاغتنام، فيقتل ويأسر ويغنم، ويسبي النساء ويسترقّ الأطفال، وهذا هو حال تلك الّلحظة الزّمنيّة وسياقاتها، ومن يُنكر ذلك فإنّما يتنكر لتاريخه ومصادره الصّريحة الصّحيحة، ويضحك على نفسه فقط.
#وذات يوم أُرسل عليّ “ع” في مهمّة قتاليّة مع جيش تحت أمرته، وبعد نهاية المهمّة أسروا جواري، «وأعجبت واحدة منهنّ الإمام “ع”، فأخذها لنفسه وواقعها»، فساء ذلك جماعة ممّن كانوا معه، فتعاقد أربعة منهم على أن يشكوه للرّسول “ص”.
#وقبل إكمال الرّواية يحسن بنا أن ننقل وجهة نظر شيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ” في خصوص مثل هذه الممارسة والمستقاة من بعض النّصوص الرّوائيّة أيضاً حيث قال: «من وطأ جارية من المغنم قبل أن يُقسّم قوّمت عليه، وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها، والباقي بين المسلمين، ويُقام عليه الحدّ، ويُدرأ عنه بمقدار ما كان له منها». [النّهاية: ص697].
#نعود لإكمال الرّواية والّتي أخرجها أحمد المتوفّى سنة: “241هـ” والتّرمذي المتوفّى سنة: “279هـ” بإسناد صحيح عندهم، عن عمران بن حصين ـ ونفضّل نقل نصّها من البداية ـ حيث قال: «بعث رسول الله “ص” جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جارية [أي جامعها] فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله “ص” فقالوا: إذا لقينا رسول الله “ص” أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدأوا برسول الله “ص” فسلّموا عليه، ثمّ انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السريّة سلّموا على النّبي “ص” فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله “ص”، ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثمّ قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله “ص” والغضب يُعرف في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو ولي كلّ مؤمن من بعدي». [مسند أحمد: ج33، ص 154، تحقيق: الأرنؤوط؛ سنن التّرمذي: ج6، ص78، تحقيق: بشّار عوّاد؛ صحيح التّرمذي، الألباني: ج3، ص521، ط مكتبة المعارف؛ السّنن الكبرى: ج7، ص440، ط مؤسّسة الرّسالة].
#والظّاهر: أنّ مواقعة عليّ “ع” للجواري قبل توزيع المغنم واستياء المقاتلين منه لم تقتصر على هذه الحادثة؛ بل هناك حادثة أخرى مشابهة ـ إن لم نقل باتّحادها ـ كانت هي السّبب الأساس وراء صدور حديث الغدير المعروف، وهي ما رواه البخاري المتوفّى سنة: “256هـ” في باب حمل عنوان: «باب بعث علي بن أبي طالب “ع” وخالد بن الوليد “رض” إلى اليمن قبل حجة الوداع»، بإسناده الصّحيح عندهم، عن بريدة إنّه قال: «بعث النّبي “ص” عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليّاً وقد اغتسل [أي واقع جارية واغتسل]، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟! فلمّا قدمنا على النّبي “ص” ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه؛ فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك». [صحيح البخاري: ج5، ص163، ط طوق النّجاة؛ مسند أحمد: ج38، ص144، مؤسّسة الرّسالة].
#وجاء في مسند أحمد بإسناده الصّحيح عندهم عن بريدة نفسه وهو يتحدّث عن الحادثة نفسها: «بعثنا رسول الله “ص” في سرية، قال: لما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري. قال: فرفعت رأسي وكنت رجلا مكباباً. قال: فإذا النّبي “ص” قد أحمرّ وجهه، قال: وهو يقول: “من كنت وليه فعلي وليه”». [مسند أحمد، مصدر سابق، 58ـ59].
#كما أخرج أحمد نفسه بإسناده عن بُريدة قوله: «بعث رسول الله “ص” بعثين إلى اليمن: على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعليّ على النّاس، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده. قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذّرية، فاصطفى عليّ امرأة من السّبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله “ص” يخبره بذلك، فلما أتيت النّبي “ص” دفعت الكتاب، فقُرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله “ص” فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به. فقال رسول الله “ص”: لا تقع في علي؛ فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه، وهو وليكم بعدي». [مسند أحمد، مصدر سابق: ص117ـ118]. وأخرجه آخرون أيضاً لا نجد حاجة للتّذكير بهم.
#وهنا نسجّل بعض التّعليقات:
#الأولى: وقع الكلام بين أعلام أهل السُنّة في الوجه الشّرعي لوطء عليّ “ع” الجارية بدون استبراء، وفي الوجه الشّرعي لاصطفائها لنفسه أيضاً، وقد حكى ابن حجر العسقلانيّ المتوفّى سنة: “852هـ” عن بعضهم الإجابة عن الأوّل بدعوى احتماليّة «أنّها كانت بكراً غير بالغ، ورأى أنّ مثلها لا يُستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له، ثمّ طهرت بعد يوم وليلة، ثم وقع عليها»، أمّا الثّاني وهو القسمة فرأى «أنّها جائزة في مثل ذلك ممّن هو شريك فيما يقسمه كالإمام إذا قسم بين الرعيّة وهو منهم، فكذلك من نصبه الإمام قام مقامه». [فتح الباري: ج12، ص622، تحقيق: الأرنؤوط].
#الثّانية: الثّابت لدى علماء المسلمين أنّ الزّواج على فاطمة “ع” مسألة منع عنها الرّسول “ص” كما ثبت في حديث المسور الّذي فصّلنا الحديث فيه في بحوث غضب فاطمة، لكنّ التسرّي عليها جائز وفق هذا الحديث، ولهذا قال ابن حجر: «ويؤخذ من الحديث جواز التّسري على بنت رسول الله “ص” بخلاف التّزويج عليها؛ لما وقع في حديث المسور في كتاب النّكاح»، أي حديث: «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني»، حيث كان سبب صدوره إغاظة وإغضاب عليّ “ع” لعقيلته فاطمة “ع” حين إرادته الزّواج من بنت أبي جهل أو حصول إشاعة حول ذلك. [صحيح مسلم، باب فضائل فاطمة “رض”: ج7، ص140، دار الجيل].
#الثّالثة: استند المرحوم الخوئي المتوفّى سنة: “1413هـ” إلى الرّواية الأولى لإثبات الولاية التّشريعيّة لعليّ “ع”، وأفاد بأنّ «هذه الرواية على تقدير تماميّة سندها تدلّ على المقصود بأحسن وجه». [التّنقيح في شرح المكاسب: ج2، ص161]، وقد أوضحنا في دراسات سابقة بأنّ إسقاط سند هذه النّصوص والحقائق بالطّريقة الاثني عشريّة المعروفة في التّصحيح غير نافع؛ لأنّ هذه المرحلة من حياة عليّ “ع” لا يمكن إثباتها عن طريق موازين الحديث الصّحيح وفقاً لمقاييس المتّأخّرين من أصحابنا، ولهذا لا محيد عن الذّهاب إلى تصحيحها طالما توفّرت على شروط السّلامة الحديثيّة المعتبرة عند عموم المسلمين، وفي الوقت نفسه نجدها منسجمة مع الأصل البشري الحاكم في تلك المرحلة والّذي يسمح بحصول مثل هذه الممارسات بل وزيادة أيضاً.
#الرّابعة: نسبة كبيرة من الأحاديث الّتي يستشهد بها أصحابنا بغية إثبات الإمامة الإلهيّة لعليّ بن أبي طالب هي من هذا القبيل بعد أن يُجرّدوها من سياقها وسببها الّذي حصلت فيه، ولهذا حينما تُرجعها إلى سياقها الأصلي لا ترى فيها هذه الدّلالة على الإطلاق، ومنها حديث الغدير، ولهذا نضع علامة استفهام حقيقيّة أمامها، ونتوقّف فيها قبل معرفة أسباب ومبرّرات صدورها، ونقدّر كلّ شيء بقدره.
#الخامسة: إذا أردنا أن نتحدّث بمنطق إنساني أخلاقي صرف بمعزل عن المسوّغات الفقهيّة الّتي تسمح بمثل هذه الممارسات فإنّ وطء هذه الجارية بعد اصطفائها لا يمكن تبريره، سيّما إذا كان لها زوج قد قتله عليّ “ع” نفسه في المعركة، وبالتّالي: فلا شكّ في أنّها مغصوبة على ذلك، وفي ضوء ذلك: لا يمكن إقناع الإنسان المتحضّر والمتعلّم المعاصر بأيّ دين ومذهب كان أصحابه يعشقون مثل هذه الممارسات، أمّا نحت نصوص وخطب لاحقة وصناعة شخصيّة غارقة في المثاليّة وإقناع الجماهير بها فهذا حديث لا يمتّ للعلم والمعرفة بصلة.
#وصفوة القول: إنّنا معنيّون بكشف تاريخ تلك المرحلة بمعزل عن النظّارات المذهبيّة الّتي نرتديها، وبمعزل عن الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة لرموز تلك المرحلة والّتي رُسمت في أذهاننا خطأً، وعلينا أن نموضع الأشخاص في مكانهم السّليم، ونغادر تلك المرحلة لنفكّر بحاضرنا ومستقبلنا بعيداً عن صراعات الأسر الّتي تقاتلت على الغنائم والسّيادة، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#عليّ_المذهبي