ضبط الصّادق وعلمه في ميزان علمي الطبّ والحديث!!

#روى الكليني المتوفّى سنة: “329هـ”، بأسانيده الصّحيحة عنده والمعتبرة عندهم، عن يعقوب بن شعيب إنّه قال: «سمعت أبا عبد الله [الصّادق] “ع” يقول: قال رسول الله “ص”: إنّ في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقاً، منها: مائة وثمانون متحرّكة، ومنها: مائة وثمانون ساكنة، فلو سكن المتحرّك لم ينم، ولو تحرّك السّاكن لم ينم، وكان رسول الله “ص” إذا أصبح قال: الحمد لله رب العالمين كثيراً على كلّ حال، ثلاثمائة وستين مرة، وإذا أمسى قال مثل ذلك». [الكافي: ج2، ص503].
#ومن الواضح: أنّ دعوى اشتمال جسم الإنسان على ثلاثمائة وستّين عرقاً لا تستقيم علميّاً، وإنّنا مهما فسّرنا العرق وحاولنا تقييده بأيّ طريقة من الطّرق المذهبيّة فلا نستطيع أن نحصر عروق الإنسان بهذا العدد المذكور في الرّواية، فكيف التّوفيق؟!
#لنتجاوز هذا الاعتراض مؤقّتاً، ونركّز على عدد التّحميد الّذي كان يكرّره الرّسول في اليوم الواحد كما جاء في الرّواية، حيث قرّر الصّادق فيها: إنّ الرّسول كان يسبّح في الصّباح ثلائمائة وستّين مرّة، وفي المساء العدد نفسه، ممّا يعني: أنّ المجموع هو: “720” في اليوم الواحد.
#لكنّا نلاحظ أنّ هناك رواية أخرى رواها الكليني نفسه قبل هذه الرّواية، وبالإسناد الصّحيح عنده وعند بعضهم أيضاً، عن أبي الحسن الأنباري، عن الصّادق نفسه إنّه قال: «كان رسول الله “ص” يحمد الله في كلّ يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة، عدد عروق الجسد، يقول: الحمد لله رب العالمين كثيراً على كلً حال». [المصدر السّابق نفسه].
#ولا شكّ في تعارض ظاهر الرّوايتين أعلاه في ذكر عدد تسبيحات الرّسول؛ حيث كان المجموع في الأولى: “720” في اليوم الواحد، بينما اقتصرت الثّانية على عدد: “360” فقط، فكيف التّوفيق؟!
#ومن الواضح: إنّ المسكونين والمؤمنين بالإمامة الإلهيّة الاثني عشريّة للصّادق وعصمته عن أبسط أنواع الاشتباهات في بيان الأحكام، لن يجدوا من خيار أمامهم غير التّوجيه والتّرقيع والتّأويل حتّى لو استلزم الأمر إلغاء العقول؛ لأنّهم مسكونون بهذه المفاهيم حتّى النّخاع، ولا يمنحوا أنفسهم ـ ولو بدرجة ضئيلة جدّاً ـ فرصة تصوّر احتمال خطلها فضلاً عن الوصول إلى مرحلة التّصديق.
#وفي هذا السّياق: اضطرّ المرحوم المازندراني المتوفّى سنة: “1081هـ” إلى ادّعاء أنّ الرّواية الأخيرة: مجملة، والسّابقة عليها: مفصّلة، ولا بدّ من حمل المُجمل على المفصّل، مع احتمال أن يكون الرّسول في الرّواية الثّانية كان يقول العدد المذكور في كلّ يوم، وإنّه في الرّواية الأولى كان يقول العدد المذكور في بعض الأيّام مرتين، في الصّباح مرّة وفي المساء مرّة!! [شرح أصول الكافي: ج10، ص250ـ251].
#لكن شيخ المحدّثين الاثني عشريّة المجلسي المتوفّى سنة: “1110هـ” لم يرتض مثل هذا التأويل، وأكّد على عدم وجود التّنافي بين الرّوايتين؛ لأنّ المساء في الرّواية الأولى داخل في الّليل لا في اليوم، فيرتفع الإشكال!! [مرآة العقول: ج12، ص145ـ146].
#أقول: بعيداً عن هذه التخرّصات والتمحّلات الّتي يجد المؤمنون بإمامة الصّادق الإلهيّة وعصمته أنفسهم أمامها، وبعيداً عن الصّمت المُطبق الّذي يجد المعاصرون منهم أنفسهم تجاهه دون خيار آخر وهم يقرأون هذه النّصوص، ولنفترض صحّتها بأجمعها ونسلّم بذلك أيضاً ولا نسلّم، لكنّ ما لا يمكن تأويله ولا إيجاد تمحّلات له هو دعوى: أنّ عروق الإنسان لا تعدو الثّلاثمائة وستّين عرقاً، وتقسيمها ما بين ساكن وما بين متحرّك؛ وذلك لأنّ مثل هذه المعلومات تُعدّ من المضحكات في علم الطبّ المعاصر؛ لأنّنا حتّى لو قصرنا النّظر على الشّرايين والأوردة الأساسيّة في جسم الإنسان فلن يكون العدد كما جاء في الرّواية بكلّ تأكيد، أمّا إذا تجاوزنا ذلك وتحدّثنا وفق نظام الأوعية الدّمويّة فإنّ إحصاء الشّرايين والأوردة والشّعيرات الدّمويّة أمر متعذّر عادة.
#لا شكّ في أنّ أمثال هذه النّصوص وهي وافرة جدّاً في التّراث الاثني عشريّ تضع المؤمنين بالإمامة الإلهيّة للصّادق وعصمته أمام حراجتين:
#الأولى: ضبطه للمتون الّتي ينقلها عمّن قبله، ووصله إيّاها تارة وإرساله لها تارة أخرى، مع اتّفاق الثّقات على نقل مثل هذا الاضطراب المتني والسّندي أيضاً.
#الثّانية: تصادم المضامين الّتي ينقلها مع الحقائق الطبيّة البديهيّة الّتي لا يمكن افتراض أنّ الطبّ سيأتي في يوم من الأيّام ويكتشف ما يتطابق معها، بحيث يلزم منّا التعبّد والسّكون حتّى ظهور ذلك اليوم، وهذه المضامين رويت بأصحّ الأسانيد عندهم أيضاً.
#وفي عقيدتي: ليس أمامنا من خيار سوى مراجعة تراث الصّادق بعرضه العريض وبعيون مجرّدة فاحصة تبحث عن الحقيقة لا غير، أمّا من يقرأ تراثه وهو مسكون بعصمة صاحبه فلا خيار له غير وضع عقله في مستودع الأمانات قبل الدّخول إلى حريمها، وحينها يختلط الحابل بالنّابل، وتقرأ النّصوص بعيون مذهبيّة، وتُستنبط الفتاوى والأحكام بطريقة مفجعة، ولا طريق حينذاك سوى التّرقيع والتّأويل وإلغاء العقول، ولات حين مناصّ، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3408634735925493