رواية “خذوا ما رووا وذروا ما رأوا” في ميزان النّقد!! الحلقة الأولى

#في أواخر القرن الثّاني وحتّى نهاية القرن الثّالث ضمّت الكوفة أسرة علميّة شيعيّة كبيرة، تعجّ كتب الحديث الإثنا عشريّة برواياتها ومصنّفاتها، وهناك إجماع بينهم على وثاقة رجالها، بل كانت الزّعامة العامّة والمرجعيّة العليا للشّيعة ـ إذا جازت مثل هذه التّعابير ـ في ذلك الوقت منهم أيضاً، وهي أسرة آل فضّال المتمحّضة بالحسن بن عليّ بن فضّال المتوفّى كما هو المشهور سنة: “224هـ”، وأولاده الثّلاثة: محمّد، وأحمد، والمرجع العامّ في عصره: عليّ بن الحسن بن فضّال.
#لكنّ العلامة الفارقة في هذه الأسرة ـ والّتي تحمل دلالات كبيرة جدّاً لمن ألقى السّمع وهو شهيد ـ هي فطحيّتها، والفطحيّة تعني: الفرقة الّتي آمنت بمرجعيّة أو إمامة عبد الله بن جعفر الصّادق “ع” بعد رحيل الأخير، وبعد وفاته ـ أعني عبد الله المعروف في الأوساط الإثني عشريّة بالأفطح ـ عاد معظم معتنقيها إلى الإيمان بإمامة أخيه غير الشّقيق موسى المعروف بالكاظم “ع”؛ وذلك لمجموعة نصوص وسياقات أكّدت لهم ذلك انسياقاً مع إيمانهم بأنّ الإمامة أو المرجعيّة الدّينيّة يمكن أن تنتقل بشكل عرضي ما بين الأخوين، ولا ضرورة لحصر انتقالها بطريقة طوليّة بعد الحسن والحسين “ع” كما هو رأي المذهب الإثني عشريّ.
#وفي الرّبع الأوّل من القرن الرّابع الهجري ظهرت في بغداد والكوفة رواية تُنسب للعسكري “ع” فيها إجابة عن سؤال وجّه إليه يستفسر عن آليّة التّعامل مع كتب آل فضّال من النّاحية الشّرعيّة؛ باعتبارهم فقهاء كبار ولديهم فتاوى وكتب أيضاً وفي الوقت نفسه يُعدّون من كبار الفطحيّة، وكأنّ العسكريّ “ع” أجاب عن هذا الاستفسار الجادّ من خلال التّفريق بين عقيدتهم وبين نقولاتهم ومرويّاتهم، ولهذا طلب من السّائلين: أن يذروا آراءهم، ويأخذوا برواياتهم.
#لكنّ هذا المقولة غريبة في بابها، ولم نجد من وضع يده على جوهر الغرابة فيها وكشف عن أسبابها بوضوح تامّ وإن وجد أصل ذلك في التّراث المتناثر أيضاً؛ إذ بعد مرور ما يقرب من قرن على ولادة الفرقة الفطحيّة، وإيمان جملة من زعاماتها ومعتنقيها بعد وفاة الأفطح بإمامة الكاظم والرّضا والجواد والهادي والعسكري “ع” كما هو حال غيرهم من الإماميّة، ما الّذي حصل واستجدّ بحيث تطلّب الاستفسار من العسكريّ “ع” عن مصير كتب آل فضّال، فهل كانت الشّيعة في حيرة من أمرها كلّ تلك الفترة ولم تستفسر من أحدٍ من الأئمّة الّلاحقين للأفطح والسّابقين على العسكريّ “ع” عن كيفيّة التّعامل مع كتب الفطحيّة حتّى وصلت النّوبة إليه مع أنّ الحسن بن فضّال كان قد توفّي قبل ولادته “ع” بثمان سنوات تقريباً كما هو المشهور!
#وفي مقام إجابة مثل هذه الأسئلة والسّعي الحثيث لرفع الغرابة أعلاه أقول: إنّ الّذي أوجب ظهور مثل هذه المقولة في تلك الّلحظة الزّمانيّة بالذّات لا قبلها هو: أنّ الفطحيّة بعد ما اندرس مرتكزها الّذي هو إمكانيّة انتقال الإمامة بشكل عرضيّ بين الأخوين عاد ليسترجع نفسه ويتكرّر بقوّة من قبل هذه الأسرة نفسها ومناصريها ومن يفكّر بطريقتها أيضاً في تلك البرهة، وهذا لم يحصل إلّا في مرحلة الصّراع الحاصل على الإمامة والزّعامة أثناء حياة العسكري “ع” أو بعد وفاته مع أخيه جعفر.
#لكنّ قد تسأل وتقول: إذا كان إيمان آل فضّال بإمامة جعفر بعد وفاة العسكريّ “ع” فكيف يمكن تعقّل إجابته على هذا السّؤال قبل وقوع مؤدّاه أصلاً؟!
#ربّما يمكن الجواب عن هذا الموضوع بتقريب: إنّ إرهاصات هذا الخلاف كانت قد بدأت مبكّراً كما سنبيّن، خصوصاً وأنّ العلاقة بين الأخوين لم تكن على ما يُرام منذ الطّفولة كما يُشير بعضهم، لكنّنا سنوضح أنّ صدور مثل هذه المقولة من العسكريّ “ع” نفسه أمر مستبعد، ونحتمل جدّاً صدورها من عرّابي فكرة السّفارة وإنّ العسكريّ خرج من هذه الدّنيا وله ولد هو المهديّ الموعود، وإنّ صدورها منهم كان لأجل تحييد النّفوذ الكبير لأسرة آل فضّال الكوفيّة الّتي آمنت بإمامة أو مرجعيّة جعفر أخ العسكري “ع”، لكن قبل أن نفتح البحث بشكلّ تفصيليّ حول ذلك علينا أن نبدأ باستعراض الرّواية، والحديث عن مصدرها الأوّل ورجال سندها، ونلاحظ كلمات أعلام الإثني عشريّة فيها، ومن ثمّ نعطف الحديث لاستعراض وتوثيق وجهة نظرنا أيضاً، فترقّب ولاحظ. [يُتبع].
#ميثاق_العسر
#المهدويّة_الإثنا_عشريّة