حسين الحلّي يسامر نارجيلته!!

13 أكتوبر 2016
1802

روى المرحوم السيّد محمد بحر العلوم (1927ـ2015م)، عضو مجلس الحكم السابق وزميل السيّد السيستاني “دام ظلّه”، قصّة تكشف لنا مدى الإحباط النفسي الرهيب الذي كان يعاني منه أستاذه الشيخ حسين الحلّي (1891ـ1974م) في أُخريات حياته؛ ولم لا وقد كان أستاذ المراجع المعاصرين يعيش غصّة ما بعدها غصّة، آلام ما بعدها آلام، ضغوطات أقرانه والمحيطين به واستقتالهم على حطام المرجعيّة لم تمنحه خياراً غير الانزواء… بلى؛ أراد بحر العلوم ـ وعلى طريقة “بعض” الحوزويّين ـ أن يمرّر القصّة التي شاهدها بأمّ عينه وعايشها بنفسه أن ينسبها إلى الغير خلاصاً من تبعاتها الحوزويّة فقال نقلاً عن أحدهم:
#كنت أجلس أحياناً إلى… الشيخ حسين الحلّي فأجده منكمشاً على نفسه يسامر نارجيلته، وهو مُطرق لا يرفع رأسه إلّا لسائلٍ أو قائلٍ، فإذا أجاب أو وعى رجع إلى إطراقه يساجل سميرته، ويكاد الشاعر الحساس يشرف على قلبه وهو مضغوط بين يدى اليأس من هذا المجتمع، والنقمة على هذا النفر من الناس ـ عنيت النفر الذي هو منهم [أي أهل الحوزة] ـ وفي الطليعة من مقدمة جمهورهم الصاخب في وجه الطغيان، الحلّي كان الساعد الأيمن للمجتهد الكبير الميرزا النائيني المتوفى قبل أعوام، ولقد كانت تُثنى له الوسادة بين يدي عميده، وكان هو المرجع الثاني إذ يرجع الناس إلى إستاذه، وها هو اليوم مُعطّل قابع يتلمّس في ظلام هذا الأفق القاتم وجهاً يتذرع به إلى السلوى عما يرى ويسمع، وهل هناك أشقى من عالم هجره قومه، وفرغوا للالتفاف بمن هو دونه، حتى انطوى على نفسه كما انطوى إمامه من قبل…”؟! [من مقدّمة كتاب أصول الفقه للحلّي، ص117].
#ونلاحظ محمد حسين الصغير وهو يشير إلى المدخّنين من العلماء ـ وقد عدّ الحكيم والخوئي والسيستاني منهم ـ يقول في وصف حال حسين الحلّي في آخر أيّام حياته فيقول: “[كان] يدخن النارجيلة ويقوم بنفسه على مقدماتها دون الاستعانة بأحد، حتى إذا تكامل صنعها نقلها من الإيوان إلى الديوان، وهو ديوان السيد علي بحر العلوم الذي قضى فيه أكثر حياته، وأخذ بسحب أنفاسها متأملاً، وهو يجد لذلك لذة عظيمة، وفي إحدى الليالي توجّه له… السيد عزّ الدّين بحر العلوم بقوله: عمي إلى متى أنت تدخن، فلو أقلعت عن النارجيلة؟ ، فقال له مستنكراً: النارجيلة لذتي الوحيدة في الدنيا، وأنت تنهاني عنها، دع عنك هذا، أي راحة أجد في الدنيا!!”.[فقه الحضارة، فتاوى السيّد السيستاني، ص42].
#أجل؛ أيّ راحة يجد في هذه الدنيا وهو يرى طلّابه وتلاميذه قد تنكّروا له الفضل، وأصبحوا جزءاً لا يتجزّأ من مرجعيّات أخرى، يدعون لها، ويؤصّلون لمستقبلهم المرجعي عن طريقها، بل وسطا بعضهم على بحوثه!!… لكن هل تعلم كيف قضى الحلّي آخر أيّام حياته في حوزة النجف التي تتفاخر باحترامها واعتزازها بكبارها وصغارها؟!
لقد روى لنا السيّد أحمد المددي، صديق السيستاني وتلميذه أيضاً، واقعة تقشعرّ لها الأبدان ويهتزّ لها الوجدان، وهل يُعقل أن يحصل كلّ هذا في حوزة النجف؟! يقول المددي: “حينما كنت أمرّ في شارع الرسول يقع نظري على الشيخ حسين الحلّي وهو جالس عند صاحب دكّان هناك، وقد اعتمّ بعمامة صغيرة غير منتظمة، ومن لا يعرفه قد يعتبره إنساناً عاديّاً من الدوّارين [والمتسكّعين]…”[مجلّه پژوهش و حوزه، العدد16].
#نعم يا شيخنا الحلّي: كانت هذه نهايتك في حوزة النجف وأنت أستاذ المراجع المعاصرين، فما هو حالنا إذن نحن الصغار؟! نعم شيخي الجليل: إن للمرجعيّة في حوزة النجف أبوابها، ومن أرادها فليأتها من أبوابها، ولا أشكّ في أنّك تمرّدت على أبوابها، فطوبى لك وحسن مآب…


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...