تشريع التّيمّم وقلادة عائشة!!

#قد لا تصدّق إذا ما أخبرتك بأنّ تشريع التّيمّم في الإسلام، ونزول أو صدور أوّل آيتيه المعروفتين، إنّما صدر بسبب قلادة كانت قد أضاعتها عائشة؟! ربّما تضحك وتهزأ بالأمر انسياقاً مع الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة في ذهنك خطأً عن أنّ هذه الأحكام إنّما صدرت بطريقة احترافيّة مهنيّة كانت تنظر للحاضر وللمستقبل في طول عمود الزّمان، وبمختلف ألسنة ولغات الدّنيا حتّى نهايتها، لكنّي سأقصّ عليك الحقيقة اعتماداً على أمّهات المصادر الإسلاميّة وصحاح نصوصها:
#روى البخاري المتوفّى سنة: “256هـ” ومسلم المتوفّى: “261هـ”، وقبلهم أحمد المتوفّى سنة: “241هـ” وغيرهم كثير أيضاً، بالإسناد الصّحيح عندهم، عن عائشة أنّها قالت والّلفظ للبخاري: «خرجنا مع رسول الله “ص” في بعض أسفاره، حتّى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول “ص” على التماسه، وأقام النّاس معه وليسوا على ماء، فأتى النّاس إلى أبي بكر الصّديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله “ص” والنّاس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! فجاء أبو بكر ورسول الله “ص” واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله “ص” والنّاس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال: ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرّك إلّا مكان رسول الله “ص” على فخذي، فقام رسول الله “ص” حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمّموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الّذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته». [صحيح البخاري: ج1، ص417ـ418، ط دار التّأصيل؛ صحيح مسلم: ج2، ص122ـ123، ط دار التّأصيل، مسند أحمد: ج42، ص285ـ286، ط الرّسالة].
#ورووا أيضاً صحيحاً عندهم عن عروة بن الزّبير، عن عائشة: «أنّها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فبعث رسول الله “ص”، فأدركتهم الصلّاة وليس معهم ماء، فصلّوا، فشكوا ذلك إلى رسول الله “ص”، فأنزل الله آية التّيمم، فقال أسيد بن حضير لعائشة: جزاك الله خيراً؛ فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه، إلّا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيراً». [صحيح البخاري: مصدر سابق: ص419، صحيح مسلم، مصدر سابق: ص123؛ مسند أحمد: ج40، ص341ـ342؛ ولقراءة روايات أكثر راجع: تفسير الطّبري المسمّى جامع البيان: ج7، ص75ـ 79، تحقيق: عبد الله التّركي]
#وبغضّ الطّرف عن قناعتنا وفقاً للمبنى المختار القاضي بأنّ تكرّر آيتي التيمّم في سورتي النّساء والمائدة لا يعود لأصل تكرّر نزولها أو صدورها لكي يحير أعلام السُنّة في أيّ الآيتين عنت عائشة ويصفها بعضهم بالدّاء الّذي لا دواء له [أحكام القرآن، ابن العربي: ج1، ص561ـ562، ط دار الكتب العلميّة]، وإنّما هي واحدة ويرجع تكرّرها إلى آليّات الجمع القرآني البدائيّة الّلاحقة، لكنّا نسأل: ماذا لو لم تختف قلادة عائشة وماذا لو لم يَنَم الرّسول على فخذها في تلك الّليلة فيصبح وهو بحاجة إلى ماء، فهل سيُشرّع التيمّم في تلك الّلحظة دون سبب، أم سيُنتظر حتّى ضياع قلادة عائشة واستنفار المسلمين في طلبها وحصول ما حصل معها؟!
#بلى؛ هذه الأسئلة ليست افتراضيّة لكي يتنطّع متنطّع ويرى أنّ بالإمكان طرحها أمام كلّ المقولات الدّينيّة دون الوصول إلى نتيجة تُذكر، وإنّما هي ناشئة من افتراضات واقعيّة يُراد الانتقال من خلالها إلى الوقوف على طبيعة الاهتمام السّماوي واكتراثه بدستوريّة هذه النّصوص؛ ليخلص إلى أنّ هذه النّصوص لم تولد لكي تُكتب وتُدوّن وتتحوّل إلى دستور ديني دائمي لعموم البقاع والأصقاع حتّى نهاية الدّنيا، ولم يكن واضعها في وادي التّخطيط والاستشراف المستقبلي الدّيني البعيد عن لحظته الزّمانيّة والجغرافيّة الّتي اهتمّ بها، ولهذا لو لم تفتقد عائشة قلادتها ـ أو قلادة أختها الّتي استعارتها ـ لما شُرّع مثل هذا الإجراء في لحظتها، وحكاية أنّ العبرة بعموم الّلفظ لا بخصوص السّبب ورفع الخصوصيّة إنّما تولّدت لاحقاً بسبب ضيق الخناق النّاشئ من مصادرة فاسدة تقرّر: أنّ ما بين الدّفتين هو إرادة السّماء ودستورها الدّيني الخالد، وقد أوضحنا بأنّ السّماء لم تكن مهتمةّ ولا مكترثة ولا جادّة في ذلك، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#القرآن_البعدي