تأمّلات في مقولة ثقل الحديد أجهدني!!

#تنظّر المتتبّع الاثنا عشريّ الخبير المرحوم حسن الصّدر المتوفّى سنة: “1354هـ” فيما يتناقله أرباب المقاتل من قول عليّ بن الحسين لأبيه بعد أن أصابته جراحات كثيرة: يا أبة؛ العطش قد قتلني، وثقل الحديد أجهدني، حيث قال: «لم أعثر على ما يدلّ على أنّ عليّ بن الحسين كان دارعاً أو كثير السّلاح، بل في بعض الرّوايات ما يشعر بأنّه لم يكن دارعاً، مثل: إنّه قطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً، وهذا لا يكون إلّا فيمن كان دارعاً، وأيضاً: بُعد الشّكوى من ثقل الدّروع وهو من قد سمعت [أي يُشير إلى شجاعته الّتي تحدّث عنها قبل ذلك]، فالأظهر: إنّه يُريد بثقل الحديد، ثقل الجيش وكأنّهم من جبال الحديد، كما يُقال: أقدم فلان على جبال الحديد». [من أحد كتبه المخطوطة الموجودة عندنا].
#كما احتمل المرحوم عبّاس القمّي المتوفّى سنة: “1359هـ” «أن يكون مراد عليّ‌ بن الحسين من ثقل الحديد كثرة عسكر المخالفين وما قاسى منهم، فإنّه “سلام الله عليه” اختصّ‌ من بين الشّهداء بكثرة الحملات والشّدّ على القوم حتّى قال الرّاوي في حقّه: وشدّ على النّاس مراراً وقتل منهم جمعاً كثيراً حتّى ضجّ‌ النّاس من كثرة من قتل منهم، وفي بعض التّواريخ: أنّ حملاته بلغت اثنتي عشرة مرة، وأمّا التّعبير عن العسكر بالحديد فهذا تعبير شائع، وقد تقدّم كلام الشّيخ الكشّي في حبيب بن مظاهر “ره” وكان حبيب من السّبعين الرّجال الّذين نصروا الحسين “ع” ولقوا جبال الحديد…». [نفس المهموم: ص589].
#كما أنّ نقل العبارة المتقدّمة بالصّيغة نفسها عن كتاب الفتوح لابن أعثم الّذي يُقال إنّه توفّي سنة: “314هـ” غير سليم أيضاً؛ وذلك لأنّها من الإضافات الّلاحقة؛ نقول ذلك بقرينة نسخة الفتوح الفارسيّة المترجمة في القرن السّادس كما قيل؛ حيث خلت من عبارة “وثقل الحديد أجهدني” واقتصرت على: «العطش العطش قد قتلني، فهل إلى شربة من الماء سبيل». [راجع النّسخة الفارسيّة لكتاب الفتوح: ص384]، ولهذا احتملنا في دراسات سابقة ـ ووفقاً لمعطيات عدّة ـ وقوع تصرّفات كثيرة في نسخة الفتوح المطبوعة من قبل دار الأضواء لمواءمة صياغة رواياته وأخباره مع نظريّة خروج الحسين بن عليّ “ع” من أجل الشّهادة؛ لذا يشكل جدّاً الاعتماد عليها.
#وكيف كان، فإنّ ما ينبغي معرفته من خلال هذه الإثارة المتواضعة هو: إنّ عموم هذه التّفاصيل المشابهة لم تثبت بدليل معتبر، وإنّما هي نقولات لاحقة تولّدت في سياق لسان الحال وتطبيق حكاية التّسامح وأخبار من بلغ، وإلّا من هو الّذي كان متفرّغاً في تلك الّلحظات ليسجّل التّفاصيل الحربيّة الدّقيقة وطريقة الوداع ما بين الوالد وابنه، ولهذا روى الطّبريّ المتوفّى سنة: “310هـ”، بإسناده عن أبي مخنف إنّه قال: حدّثني زهير بن عبد الرّحمن بن زهير الخثعمي: «وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ عليّ الأكبر بن الحسين بن علي، وأمّه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي؛ وذلك أنه أخذ يشدّ على النّاس وهو يقول: أنا علي بن حسين بن عليّ، نحن وربّ البيت أولى بالنّبي، تالله لا يحكم فينا ابن الدّعي. قال: ففعل ذلك مراراً، فبصرَ به مرّة بن منقذ بن النّعمان العبدي ثمّ الّليثي، فقال: عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه، فمرّ يشدّ على النّاس بسيفه، فاعترضه مرّة بن منقذ، فطعنه فصرع، واحتوله النّاس فقطعوه بأسيافهم». [تاريخ الطّبري: ج5، ص446؛ الإرشاد: ج2، ص106].
#كما روى ابو مخنف أيضاً بإسناده عن حميد بن مسلم قوله: «سُماع أُذني يومئذ من الحسين يقول: قتل الله قوماً قتلوك يا بني! ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرّسول، على الدنيا بعدك العفاء». [المصادر السّابقة نفسها].
#وصفوة القول: إنّ معظم ما يُقرأ في المقاتل ويُسمع من على المنابر في خصوص التّفاصيل الحربيّة هو ناشيء من لسان الحال، ويُشكل جدّاً تعاطيه وترويجه، لكنّهم يجوّزون ذلك لأدنى مناسبة في سياق جملة من القواعد الأصوليّة والفقهيّة المرتكزة على مقولات كلاميّة فاسدة، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الحسين_المذهبي