#المعروف والمشهور بين العامّة والخاصّة إنّ صدر الحسين “ع” قد رضّ بحوافر الخيل بعد انتهاء المعركة، وقد ورد ذلك في مصادر تاريخيّة عدّة، لكن يبدو إنّ شيخ محدّثي الشّيعة المرحوم المجلسي يرفض ذلك وينكره، ويراه من المشهورات السُنيّة والشّيعية الّتي لا أصل لها!! وقد يبدو هذا الأمر غريباً ولافتاً؛ إذ كيف يُعقل من شخص كالمجلسي […]
#المعروف والمشهور بين العامّة والخاصّة إنّ صدر الحسين “ع” قد رضّ بحوافر الخيل بعد انتهاء المعركة، وقد ورد ذلك في مصادر تاريخيّة عدّة، لكن يبدو إنّ شيخ محدّثي الشّيعة المرحوم المجلسي يرفض ذلك وينكره، ويراه من المشهورات السُنيّة والشّيعية الّتي لا أصل لها!! وقد يبدو هذا الأمر غريباً ولافتاً؛ إذ كيف يُعقل من شخص كالمجلسي أن ينكر مثل هذا الأمر المشهور وهو الّذي يتمسّك بضعاف الأخبار في سبيل ما يريد؟!
#والجّواب: يستند المجلسي في إنكاره لحادثة رضّ الصّدر إلى رواية فضّة والأسد الّتي رواها الكليني في أهمّ كتاب حديثيّ شيعي وهو الكافي، وبغية الوقوف على حقيقة هذا الأمر نجد من الّلازم طرح رواية فضّة والأسد كما وردت في مصدرها الأصلي، ونقرّر بعدها استظهارات المجلسي منها، وننهي الحديث بتعليقاتنا.
#روى الكليني في كتابه الكافي بأسناده عن أبي عبد الله الأودي قوله: «لما قُتل الحسين “ع” أراد القوم أن يوطّئوه الخيل، فقالت فضة لزينب: يا سيدتي إنّ سفينة [وهو اسم خادم للرّسول “ص”] كُسر به في البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد، فقال [سفينة للأسد]: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله “ص”، فهمهم [الأسد] بين يديه حتى وقفه على الطريق. والأسد رابض في ناحية، فدعيني [والكلام لا زال لفضّة مع زينب] أمضي إليه وأعلمه ما هم صانعون غداً؟ قال فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث فرفع رأسه، ثم قالت: أ تدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبي عبد الله “ع”؟! يريدون أن يوطّئوا الخيل ظهره! قال: فمشى [الأسد] حتى وضع يديه على جسد الحسين “ع”، فأقبلت الخيل فلما نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد “لعنه الله”: فتنة لا تثيروها انصرفوا، فانصرفوا». [الكافي: ج1، ص465].
#وقد استظهر المجلسي من هذه الرّواية بعد أن حكم بجهالتها سنديّاً ـ وفقاً لتصوّراته ومنهجه ـ جملة من النّقاط:
#الأوّلى: إنّ للحيوانات شعوراً وإحساساً، وإنّ بعضها تحبّ أهل البيت “ع” وتعرفهم أيضاً!!
#الثّانية: إنّ ما ذكره العامّة والخاصّة من وقوع هذا الأمر الفظيع ـ وهو رضّ الصّدر ـ هو من المشهورات الّتي لا أصل لها !!
#الثّالثة: إنّ السيّد ابن طاووس وإنّ روى هذه الحادثة في مقتله لكنّ المعتمد في الأمر هو ما رواه الكليني في حكاية فضّة والأسد !!
#الرّابعة: إنّ العشرة الّذين ادّعوا رضّ صدر الحسين “ع” ـ كما في رواية ابن طاووس ـ كان غرضهم إخفاء معجزة حفاظ الأسد على جسده “ع”!!؛ «وكأنّه لذلك قلّل ولد الزنا [أي عبيد الله بن زياد] جائزتهم؛ لعلمه بكذبهم !!
#الخامسة: إنّ ما فعله المختار بأولئك العشرة كان سبب ادّعائهم لذلك رغم بطلان حصول هذا الأمر وعدم واقعيّته، «وإن كان ما فعلوه به “ع” قبل ذلك أفحش وأفظع منه» [مرآة العقول: ج5، ص371].
#ولي في المقام بعض التّعليقات العاجلة:
#الأوّل: لقد روى الكليني هذه الخرافة عن الحسين بن أحمد أو محمد، عن أبي كريب والأشجّ، عن عبد الله بن أدريس، عن أبيه أبي عبد الله أدريس بن يزيد الأودي، ومن الواضح: إنّ جميع أو معظم رواتها من مشايخ العامّة، ولا أريد أن أدخل في البحث السّندي لهذه الخرافة؛ فهذا ما لا يهمّني فعلاً لكنّي سأكتفي بذكر نصّ ـ من باب المحاججة ـ لأحد خبراء هذا الفنّ في تقييم سندها قرّره المرحوم البروجردي حيث قال: «فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الرجال المذكورين في سند هذه الحكاية كانوا من الشيوخ المعروفين الموثوق بهم عند أصحاب الحديث… فالسند لا بأس به…» [أسانيد كتاب الكافي: ج1، ص362].
#الثّاني: أوضحت مراراً بأنّ عرضي لأمثال هذه النّصوص ذات المشاكل السّندية عند بعضهم لا يروم الاستشهاد بها أو الإيمان بحجيّتها، بل يتحدّث عن كاشفيّتها عن الأفق الفكري والعقدي لتلك المرحلة المُؤسّسة ومقبولّيتها ولو بالنّسبة لشخص المصنّف الّذي أوردها، خصوصاً وهي واردة في أهمّ كتاب حديثيّ شيعيّ على الإطلاق.
#الثّالث: نصّ المرحوم البروجردي على إنّ الظّاهر إنّ حكاية راوي هذه الحكاية لم تكن عن مشاهدة وحسّ بل كانت عن علم وحدس؛ وذلك لاستبعاد وجوده في تاريخ حادثة كربلاء أو إنّه كان طفلاً صغيراً، «مع أنّ شهوده لجميع هذه الواقعة الّتي بعضها راجع إلى الحرم وبعضها إلى المعركة وبعضها إلى موضع خارج عن الحرم والمعركة بعيد جدّاً، نعم كان في عصره أكثر من شهد وقعة الطفّ حيّاً، فكان يمكنه العلم ببعض ما وقع فيها من الأمور، خصوصا الأمور الغريبة الّتي جرت عادة الناس بنقلها عند مشاهدتها، فيحصل العلم لمن لم يشاهدها بتظافر النقل ممّن شهدها، لكن يبعّده أنّه لم يُتابع في هذه الحكاية، والله العالم بحقائق». [المصدر السّابق، نفس المعطيات].
#الرّابع: التّناقض المضموني في نفس رواية الأسد وفضّة لا يحتاج إلى بيان؛ فأين رأت فضّة زينب، وأين كان الأسد رابضاً، ولماذا لم يبادر الأسد إلى حفظ الحسين “ع” قبل عمليّة الذّبح الّتي هي أفجع من رضّ الصّدر… وهكذا عشرات الأسئلة الأخرى الّتي تؤكّد خرافة هذه الحكاية خصوصاً والمعلومات عن فضّة وأسطوريّة بعض جوانبها وزواجاتها وعمرها شحيحة جدّاً.
#الخامس: إنّ ورورد أصل هذه الخرافة بالنّسبة لمولى الرّسول “ص” سفينة في كتب أهل السُنّة لا يعني إنّها صحيحة من الأساس، وتفصيل ذلك في محلّه.
#السّادس: لقد استقتل بعضهم في سبيل تقديم وجه جمع بين حادثة رضّ الصّدر الثّابتة تاريخيّاً وبين خرافة حماية الأسد لصدر الحسين “ع” فقال: إنّ رضّ الصّدر حدث في حياة الحسين “ع” وهو مثخن بالجّراح، وحادثة حماية أسد فضّة لجسده كان بعد وفاته، وهذا التّوجيه مجرّد استحسانات لا ينسجم لا مع أصل عمليّة رضّ الصّدر وتوقيتها المروي ولا مع أصل خرافة فضّة وأسدها.
#السّابع: إنّ المجلسي له استعداد أن يلغي جميع النّصوص التأريخيّة المؤكّدة الّتي رواها العامّة والخاصّة ويجعلها من المشهورات الّتي لا أصل لها في مقابل رواية واحدة حكم بنفسه بجهالتها سنديّاً وردت في كتاب الكافي، فإذا كان هذا الأمر جائزاً بالنّسبة لشيخ المحدّثين الشّيعة أمام نصوص ثابتة تاريخيّاً فلماذا لا يجوز ذلك لباحث يرى بالبرهان وجود خلل معرفي كبير في روايات الإمامة والمهدويّة بصيغتهما الشّيعيّة المتداولة وعرضهما العريض؟!
#نسأل الله أن يوفّق النّاس إلى فهم واقعة كربلاء كما هي دون رتوش كلاميّة ومذهبيّة لا بالطّريقة الّتي يُريدها الغنوصيّون، ومن الله نرجو الّتوفيق.