#تصوّر لو إنّ الزّمان قد رجع بك إلى ألف سنة من الآن، وأنت في حاضرة التّشيّع بغداد في ذلك الزّمان، وبجوار زعيم المذهب ومؤسّسه الكبير المرحوم الشّيخ المفيد المتوفّى سنة: “413هـ”، وقد اختلطت عليك أمورك العقائديّة كثيراً بعد أن وصل الغلو في أئمّة أهل البيت “ع” حتّى الذّروة على حساب إلغاء دور الخالق الحقيقي ومختصّاته […]
#تصوّر لو إنّ الزّمان قد رجع بك إلى ألف سنة من الآن، وأنت في حاضرة التّشيّع بغداد في ذلك الزّمان، وبجوار زعيم المذهب ومؤسّسه الكبير المرحوم الشّيخ المفيد المتوفّى سنة: “413هـ”، وقد اختلطت عليك أمورك العقائديّة كثيراً بعد أن وصل الغلو في أئمّة أهل البيت “ع” حتّى الذّروة على حساب إلغاء دور الخالق الحقيقي ومختصّاته من عالم الوجود، فأردت أن تنقل له أسئلة كان قد طرحها لك أحد أصدقائك حول حقيقة علم الإمام، بغية أن تحصل على إجابة شافية ووافية منه حول هذا الموضوع المثير للّغط في هذه الأيّام، فقلت له: شيخنا المفيد إذا كان «الإمام عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون:
[1] فما بال أمير المؤمنين “ع” خرج إلى المسجد وهو يعلم أنّه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟!
[2] وما بال الحسين “ع” صار إلى أهل الكوفة وقد علم أنّهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنّه مقتول في سفره تيك ؟!
[3] ولمَ لمّا حُوصر وقد علم أنّ الماء [قريب] منه لو حفر على أذرع يسيرة [ومع هذا] لم يحفر؟!
[4] ولمَ أعان على نفسه حتّى تلف عطشاً؟!» [المسائل العكبريّة: ص69؛ بحار الأنوار: ج42، ص257].
#فالتفت إليك المفيد قائلاً لك يا ولدي:
«[أمّا] قوله: أن الإمام يعلم ما يكون بإجماعنا، [فـ] أن الأمر على خلاف ما قال، وما أجمعت الشيعة قطّ على هذا القول، وإنّما إجماعهم ثابت على أنّ الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون [أي في الأحكام فقط] دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث [أي في الموضوعات]، ويكون على التّفصيل والتمييز وهذا يسقط الأصل الذي بنى عليه الأسئلة بأجمعها، [نعم]؛ لسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان الحوادث تكون بإعلام الله تعالى له ذلك، فأمّا القول بأنّه يعلم كلّ ما يكون فلسنا نُطلقه، ولا نُصوب قائله؛ لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان.
«[أمّا] القول بأنّ أمير المؤمنين “ع” كان يعلم قاتله والوقت الذي يقتل فيه، فقد جاء الخبر متظاهراً أنّه كان يعلم #في_الجملة أنّه مقتول، وجاء أيضاً بأنّه كان يعلم قاتله على التفصيل، فأمّا علمه في وقت قتله فلم يأت فيه أثر على التفصيل، و لو جاء فيه أثر لم يلزم ما ظنه المستضعفون؛ إذ كان لا يمتنع أن يتعبّده الله بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل؛ ليبلغه الله بذلك من علو الدرجة ما لا يبلغه إلا به، ولعلمه تعالى بأنّه يطيعه في ذلك طاعة لو كلّفها سواه لم يؤدها، ويكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامه غيره، فلا يكون بذلك أمير المؤمنين “ع” ملقياً بيده إلى التهلكة ولا معيناً على نفسه معونة مستقبحة في العقول.
#فأمّا علم الحسين “ع” بأنّ أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع على ذلك؛ إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع، ولو كان عالماً بذلك لكان الجواب عنه ما قدّمناه في الجواب عن أمير المؤمنين “ع” بوقت قتله والمعرفة بقاتله لما ذكرناه.
#أمّا دعواه علينا أنّا نقول: إنّ الحسين “ع” كان عالماً بموضع الماء وقادراً عليه فلسنا نقول ذلك، ولا جاء به خبر على حال، وظاهر الحال التي كان عليها الحسين “ع” في طلب الماء والاجتهاد فيه يقتضي بخلاف ذلك، ولو ثبت أنّه كان عالماً بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبداً بترك السّعي في طلب الماء من ذلك الموضع ومتعبدا بالتماسه من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين “ع” غير أنّ الظاهر في خلاف ذلك على ما قدمناه…» [المصدر السّابق، نفس المعطيات].
#أقول: هل يجرؤ خطيب أو محاضر شيعيّ مذهبيّ معاصر أن ينقل محكمات كلام المفيد الآنف الّذكر من على المنابر أو الفضائيّات في هذه الأيّام ويقرّر بوضوح إنّ الشّيعة في زمن المفيد وتلامذته لم تُجمع على أكثر من علم الإمام بالأحكام الشّرعيّة فقط ولم يثبت عندهم علمه بالموضوعات الأخرى أصلاً؟! تُرى لماذا هذا التّعتيم والاستغفال لبسطاء النّاس واغراقهم في ظلمات البرّ والبحر الفكريّة حفاظاً على مكاسب هذا أو سطوة ومرجعيّة ذاك؟! #أتمنّى التّركيز على محكمات نصوص المفيد الّتي حملتها النّصوص أعلاه لمعرفة الحقيقة؛ ولمعرفة سرّ التّحوّل الحاصل في تفسير علم الإمام وواقعة كربلاء بالخصوص من أيّام القرن السّابع فما بعد؛ أجل؛ فالإمام مهما فرضنا عليه من قيود كلاميّة أو فلسفيّة أو عرفانيّة كائن بشريّ لا يمكن له القفز على الأسباب الطّبيعيّة والمتعارفة في تحقيق أهدافه وأغراضه؛ لأنّه لا يُريد ذلك، ومن الله التّوفيق والمنّة.