انعكاس مشاكل الرّسول الأُسريّة على القرآن البعدي!!

لم تكن حياة رسول الإسلام الأسريّة سلسة على الدّوام، بل كانت تمرّ بأزمات خانقة بسبب زوجاته وسراريه، وهو أمر طبيعيّ جدّاً لشخص اقترن بنساء كثيرة، وعليه أن يوازن بينهنّ حتّى في الفراش وهو في الخمسينيّات والستّينيّات، وقد انعكس هذا الأمر بوضوح على القرآن البعدي؛ فادرجت فيه هذه المشاكل ووهداتها وربواتها وصوّرت على أنّها دستور دينيّ دائميّ لعموم العباد والبلاد، مع أنّ البشريّة غير معنيّة بمثل هذا الموضوع بالمُطلق مهما تمحّلنا كلاميّاً وأصوليّاً ووضعنا قواعد لاستنباط الأحكام الشّرعيّة منها.

وعلى سبيل المثال: ما جاء في سورة التّحريم من آيات تقرّر: «يا أيّها النّبي لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات [مرضاة] أزواجك والله غفور رحيم… وإذ أسرّ النّبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلمّا نبّأت به…».

فقد روي في سبب نزولها واقعتان لافتتان:

الأولى: اقتراب الرّسول من جاريته المُهداة إليه مارية القبطيّة على سرير زوجته حفصة بعد خروج الأخيرة من البيت، وبعد أن رجعت حفصة ورأتهما وحصل ما حصل، طلب منها وتوسّل إليها لكتمان الواقعة وعدم إخبار عائشة بها، وأقسم لها أنّه لن يقترب من فتاته بعد ذلك، فجاءت الآية لعلاج الموقف والتّكفير عن يمينه.

الثّانية: إنّ الرّسول كان يشرب عسلاً في بيت زوجته طليقة زيد بن حارثة ويمكث عندها، وهو أمر كان يُزعج عائشة وحفصة فتواطئتا على أن يبلغاه بوجود رائحة كريهة في فمه، وحينما أخبر إحداهما بالحقيقة وأنّه كان يأكل عسلاً عند زينب بنت جحش وحلف على ألّا يعود إليه وطلب منها عدم إخبار أحد بذلك، فجاءت الآية لعلاج الموقف أيضاً والتّكفير عن يمينه، وهناك ما يُشبه أصل الحادثة مع اختلاف في بعض التّفاصيل والتّسميات.

ورغم أنّ أصل الواقعة الأولى هو الأكثر واقعيّة ومقبوليّة في علّة مجيء هذه الآيات، واعتبارها السّنديّ لا غبار عليه عند محقّقيهم وإن اقتصر بعض المحدّثين على رواية الثّانية ورأى بعضهم عدم وجود مانع من تعدّد هذه الوقائع، لكنّا نسأل: ما الّذي يعني البشريّة في طول عمود الزّمان بمثل هذه الحزّازيّات والغيرة النسويّة الّتي سمحت بها طبيعة شخصيّة الرّسول وتنوّع زيجاته؟! أ لم يكن بإمكانه تجاوزها والاقتصار على زوجة واحدة أو أكثر مع حسن اختيارها؟! وكيف يُمكن تسويق رسالة الرّسول إلى عموم البشريّة وتوثيق اتّصاله بالسّماء وعصمته المُطلقة وهو يعيش مثل هذه الأزمات المُقلقة مع زوجاته ويمتثل لرغباتهنّ؟!

وإذا تجاوزنا هذا وذاك: ما الّذي يعني البشريّة في طول عمود الزّمان أن تُضمّن مثل هذه المنعطفات والعوائق الأسريّة لرسول الإسلام في نصّ قرآنيّ يُفترض أنّه دستور دينيّ دائميّ لعموم العباد والبلاد بمختلف ألوانهم وألسنتهم حتّى نهاية الدّنيا؟!

هذا وغيره يؤكّد بما لا مزيد عليه اتّجاهنا المختار في التّفريق ما بين القرآن الصّوتي والقرآن البعدي، وأنّ السّماء لم تكن مكترثة ولا جادّة ولا مهتمّة بتحويل مثل هذه النّصوص الصّوتيّة الّتي نزلت أو صدرت لمعالجة مشاكل أُسريّة آنيّة كانت جزءاً من يوميّات الرّسول والتزاماته إلى مادّة مكتوبة مقروءة ومن ثمّ تحويلها إلى دستور دينيّ دائمي لعموم البشريّة، بل هي بدعة لاحقة طرح أساسها الخليفة عمر بن الخطّاب، ومورست بأدوات بشريّة بدائيّة جدّاً على أساس المحاولة والخطأ أيضاً، وهكذا تعمّمت وانتشرت وفُرضت بالبطش والسّلاح والقمع حتّى تحوّلت إلى بديهيّة دينيّة على مستوى التصوّر فضلاً عن التّصديق، ومن ثمّ: ما لم نذهب صوب هذا التّفريق المنهجيّ السّليم في اعتقادنا ما بين القرآن الصّوتي والقرآن البعدي ولو من حيث الدّستوريّة الدّينيّة الدّائميّة سنبقى نرقّع إلى ما لا نهاية دون جدوى تُذكر، فليُتأمّل في هذه السّطور قليلاً ففيها نفع عميم، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3633109753477989