الّلحظة التاريخيّة لولادة مفهوم أهل الخبرة

ربطت الرسائل العمليّة كثيراً من أحكام التقليد بقناعات أهل الخبرة وخيارات أهل الحلّ والعقد، ورغم نسبيّة هذا المفهوم وفقدان قيمته المعرفيّة في الوقت الحاضر، إلا أنّه أصبح واقعاً مريراً تتجاذبه سلطة المال والجاه والإعلام، وقد استحكم في الثقافة الشيعيّة حتّى الأعماق، ولا يمكن اقتلاعه ولا التشكيك فيه إلا بقدرة قادر؛ إذ ربطه “المعنيّون” بمفهوم عقلائي سيّال، أعني: “رجوع الجاهل إلى العالم”.
وكيف ما يكون، من الضروري أن نستفهم عن الّلحظة التاريخيّة التي شهدت تبلور هذا المفهوم وتفعيله كواقع في حسم المرجع الذي يتملّك صلاحيّة التقليد في الأمور الفقهيّة؛ لأنّ هذا الأمر يلقي بظلاله على طبيعة هذا المفهوم وقيمته العلميّة، وفي حدود المتابعة التاريخيّة التي أنجزها بعض الباحثين المعاصرين ـ والعهدة عليه في ذلك ـ نلحظ إن لحظة تبلور هذا المفهوم إنّما بدأت بعد وفاة الشيخ موسى كاشف الغطاء في عامّ: (1827م)؛ إذ طُرح بعده مرشّحان لشغل منصب المرجعيّة، أحدهما: أخوه الشيخ علي كاشف الغطاء المتوفّى سنة (1837م)، وثانيهما: الشيخ محمد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام المتوفّى سنة: (1849م) فعقد أهل الحلّ والعقد اجتماعاً لتعيين ذلك، وبعد خروجهم من الاجتماع سألهم صاحب الجواهر قائلاً: ماذا فعلت #سقيفتكم؟!، أجابه أهل الحلّ والعقد: نصبوا عليّاً، أي: الشيخ علي كاشف الغطاء… .
وهكذا استمرّ صاحب الجواهر في البحث والتدريس حتّى وصول منصب المرجعيّة إليه؛ ليتولّد من حينه مفهوم “المرجعيّة العليا العامّة”؛ إذ لم يكن في المراحل التي سبقته مرجعاً عامّاً يقلّده أغلب الشيعة كما هو الحال في عصرنا، بل احتوت كلّ بلدةٍ على فقيه يعود الناس إليه في مسائلهم الابتلائيّة، ولا وجود لأغلب هذه القصص التي يحتويها مبحث الاجتهاد والتقليد في الرسائل العمليّة المتداولة… ولا أدري: هل إن تنصيب الشيخ صاحب الجواهر للزعامة والمرجعيّة كان عن طريق أهل الحلّ والعقد، أم إن واقعه العلميّ هو الذي فرض ذلك؟! ولا أدري أيضاً: كم سقيفة حصلت وستحصل بعد تلك الّلحظة المشؤومة في تحديد المرجعيّات الشيعيّة؟!