اليوميّات القرآنيّة الصّوتيّة لم تُخلق للاستمرار!!

لم توجد النّصوص القرآنيّة الصّوتيّة لتكون دستوراً دينيّاً دائميّاً لعموم النّاطقين بالّلغة العربيّة وغيرها من الّلغات الأخرى حتّى نهاية الدّنيا كما هو مفاد القراءة الحصريّة للإسلام؛ وإنّما كان معظمها يوميّات نبويّة قائمة على أساس المحاولة والخطأ والتّصحيح لما يطرأ من أخطار ومماحكات وأسئلة أمام مسيرة الرّسول ورسالته الّتي نيّف العمل الرّسميّ الظّاهري بها على العشرين سنة، وهكذا رحل رسول الإسلام إلى ربّه ولم يكتب القرآن لا بنفسه، ولا بإشرافه قطّ، وتركه متناثراً غير مجموع، ما بين جريد النّخل والأحجار الرّقيقة وبعض الصّدور.

وبعد وفاته ابتدع الخليفة الثّاني عمر بن الخطّاب المغدور سنة: “23هـ” فكرة كتابته وجمعه، وسعى جاهداً لإقناع أبي بكر وزيد بن ثابت بها رغم ممانعتهم لها، فعمد الأخير إلى المبادرة لذلك وفقاً لآليّات بدائيّة جدّاً يعرفها من راجع التّراث وخبره، من دون أن يبادر الخليفة إلى إتلاف مكتوبات الصّحابة الجزئيّة أو ما يُسمّى بمصاحفهم، والّتي قد تحتوي على بعض السّور والآيات ولو للتبّرك مثلاً.

وبعد سنوات وجيزة، وبعد أن أصبحت النّصوص القرآنيّة المتشاكسة والمختلفة والمتقاطعة عبئاً ثقيلاً جدّاً، ومربكاً ومُقلقاً للمسلمين فيما بينهم، ومزعزعاً كذلك أمام تقدّم ما يُسمّى بالفتوحات الإسلاميّة ورصّ صفوف عساكرها، أقدم الخليفة الثّالث عثمان بن عفّان المقتول سنة: “35هـ” على إحراق جميع المصاحف المتفرّقة الّتي كتبها بعض الصّحابة مهما كان حجمها ومضمونها، وطلب من موظّفيه كتابة مصحف واحد، وبلغة ولهجة واحدة خالٍ من التّنقيط، ونسخه عدّة نسخ وتوزيعه على الأمصار، فصار ذلك هو المصحف الإمام الّذي لا مصحف غيره بعد فرضه على الجميع بقوّة وبأس وسيف السّلطان.

وبعد تعميم نسخ المصحف العثمانيّ الإمام على الأمصار تطوّرت القراءات في تلاوته تبعاً لطريقة رسمه الخالية من الإعجام والإعراب، ورشّقت هذه القراءات بعد ولادة علم النّحو وقواعده بنحو من الأنحاء، وأُدخل على حروفه حروف وإعجام وإعراب، وهكذا حتّى أصبح نصّاً نهائيّاً رسميّاً من دون أن تصل إلينا ولا مخطوطة واحدة من آيات ذلك المصحف العثمانيّ الإمام، فتدبّر كثيراً كثيراً إن كنت من أهله، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3604463306342634