ما لا يُدركه المتمحلّون والمرقّعون: أنّنا نتعامل مع نصّ قرآنيّ يؤمن عموم المسلمين بإلهيّته وربّانيّته، وأنّ كلّ كلمة منه، بل وكلّ حرف أيضاً، إنّما نشأ من إرادة جديّة غيبيّة قاصدة لذلك، وورود هذه الكلمة هنا، ووضع هذا الحرف هناك، وتكرار هذه الجملة في هذا المكان، واقتصارها على غيرها في مكان آخر، ليس اعتباطاً وتمحّلاً وتشهيّاً، وإنّما ينبثق من نظرة استشرافيّة وجوديّة قبليّة لخالق هذا العالم، أراد من خلالها هداية البشر جميعاً منذ لحظة نزول القرآن وحتّى نهاية الدّنيا.
وفي ضوء هذه الحقيقة المعروفة والمسلّمة في الأوساط والّتي يعرفها حتّى الصّبيان: فإنّنا حينما نضع بعض الأسئلة المُقلقة إزاء بعض النّصوص القرآنيّة لا ننتظر من متعلّم هنا أو هاوٍ هناك أن يُجيب عن هذه الأسئلة بتمييع النصّ القرآنيّ وفق الفهم الإسلاميّ الرّاسخ، ويحوّله إلى نصّ قصصيّ أو شعريّ يضطرّ كاتبه في جملة من الأحيان إلى توظيف مفردة أو زيادة حرف رعاية لنثره أو شعره، وحفاظاً على سياقه أو قافيته؛ فإنّ القرآن وإن نزل بلغة العرب ووفقاً لأساليبهم كما يقولون، لكنّ ما يميّزه ـ وفقاً لبياناتهم أيضاً ـ أنّه استطاع قولبة الأفكار الخالدة الّتي يُريدها بأفضل البيانات، ومن غير أن تتمظهر عليه أيّ سلبيّات، وإذا كان الأمر كذلك فيحقّ لنا أن نسأل: لماذا وظّف هذه المفردة أو الحرف هنا، وترك توظيفهما في مكان آخر؛ فتدبّر وافهم ولا تكن من “القافلين”، والله من وراء القصد.