#كان للسيّدة عائشة بنت أبي بكر تحفّظات مُقلقة جدّاً على سماويّة بعض النّصوص القرآنيّة وإن سعى المتأوّلون ـ من ضيق الخناق ـ لحرفها عن مسارها؛ حيث روى البخاري المتوفّى سنة: “256هـ”، ومسلم المتوفّى سنة: “261هـ”، وغيرهما أيضاً، بالإسناد الصّحيح عندهم، عن عروة بن الزّبير قوله والّلفظ للبخاري: «كانت خولة بنت حكيم من الّلائي وهبن أنفسهنّ للنّبي “ص”، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرّجل، فلما نزلت: “ترجئ من تشاء منهنّ [وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك]”، قلت: يا رسول الله، ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك». [صحيح البخاري: ج7، ص12؛ ج6، ص117، ط طوق النّجاة؛ صحيح مسلم: ج4، ص95ـ96، ط دار التّأصيل؛ مسند أحمد: ج43، 297، ط الرّسالة؛ سنن ابن ماجة: ج3، ص166، تحقيق: الأرنؤوط].
#وحينما وجد أعلام أهل السُنّة أنّ ظاهر مثل هذا التّعبير من عائشة يوجب مفاسد كثيرة اضطرّوا إلى طرح تأويلات تعسفيّة عدّة له، فذهب بعضهم إلى أنّ معناه: «يخفف عنك ويوسّع عليك في الأمور ولهذا خيّرك»؛ وأوّله غيرهم بمعنى: «أرى الله إلّا موجداً لما تُريد بلا تأخير، منزلاً لما تحبّ وتختار»؛ وقال آخرون: «هذا قول أبرزه الدّلال والغيرة»، وحيث إنّ إضافة الهوى إلى الرّسول “ص” لا ينبغي حملها على ظاهرها عندهم؛ لأنّه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى، لذا رأوا أنّها: «لو قالت إلى مرضاتك لكان أليق، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك». [شرح النّووي لمسلم: ج10، ص49؛ فتح المنعم: ج6، ص31، ط دار الشّروق؛ فتح الباري: ج14، ص163؛ ج15، ص327، تحقيق: الأرنؤوط].
#ومع إغماض الطّرف عن الاستنتاجات الكلاميّة والفقهيّة العديدة الّتي يُمكن استظهارها من هذا النصّ، لكنّنا نضعها في سلّة الشّواهد الهامّة الّتي تؤكّد: أنّ السّماء لم تكن مهتمّة ولا مكترثة ولا جادّة في تحويل أمثال هذه الآيات الصّوتيّة النّازلة أو الصّادرة من أجل حلّ مشاكل أسريّة في داخل بيت الرّسول إلى مادّة مكتوبة ومن ثمّ تحويلها إلى دستور دينيّ دائمي لجميع سكّان الدّنيا حتّى نهايتها، ولو كان الرّسول قد اقتصر على زوجة واحدة تحفظ له أسراره وتُطيعه في السّراء والضّراء لما احتيج إلى هذا المقدار من الآيات أصلاً، ولو كانت السّماء تعلم بكونها نافعة في تعزيز إيمان الفرد وتعميق مقولاته لبادرت لكتابتها ومنحتها صفة الدّستوريّة الدّينيّة الدّائميّة، لكنّها لم تفعل، ومات الرّسول ولم يحصل ذلك، وإنّما هي نتاج بدعة طرحها ابن الخطّاب، فجُمعت النّصوص القرآنيّة كيفما اتّفق وفقاً لآليّات بدائيّة جدّاً، فكانت هذه النّسخة الماثلة أمامنا والّتي مرّت بتطوّرات شكليّة عديدة، فتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#القرآن_البعدي