القرآن البعدي هو نصّ روائيّ في نهاية المطاف!!

#لا يخفى عليك: أنّ نسخة القرآن الواصلة بين يديك إنّما هي حاصل إشراف وكتابة لنسخ متعدّدة أقدم عليها الخليفة الثّالث عثمان بن عفّان المقتول سنة: “35هـ” وموظّفوه المعروفون، ولم يدع أحد من عموم علماء الإسلام أنّ النّسخة الواصلة هي حاصل كتابة وجمع نبويّ على الإطلاق، بل حتّى الشّذاذ الّذين هربوا للأمام بادّعاء أنّ جمع القرآن قد حصل في عهد الرّسول لا يُنكرون دور عثمان في إحراق المصاحف وتوحيدها، وكتابة نسخها وتوزيعها، وبالتّالي: فهذه النّسخة الواصلة تعود إلى تلك النّسخ الّتي فرّقها الخليفة على الأمصار مع الاختلافات الحاصلة في كتابتها وفي طريقة قراءتها أيضاً كما هو واضح ومعروف.
#وعليه: فمن الغرابة أن يذهب ذاهب إلى أنّ نسخة القرآن الواصلة جزميّة وقطعيّة الانتساب والتّطابق مع القرآن الصّوتي ولم ينقص منها أو يزد عليها ولو حرف واحد، بينما يرى أنّ أصل النّصوص والمواقف النبويّة الأخرى الّتي رواها الثّقات كابراً عن كابر عن الرّسول ولحظته الزّمانيّة بتوسّط عثمان وموظّفيه أنفسهم مثلاً صارت باطلة وفاسدة وموضوعة ومنحولة!! ووجه الغرابة: هو أنّ احتمال الخطأ والاشتباه ـ بل وحتّى التّدليس والكذب ـ بين هذين النّقلين واحد.
#وإذا كان الملاك في التّصحيح هو الكتابة واتّفاق الصّحابة في وقتها على سلامة هذا النصّ القرآنيّ من أيّ دغش وغبش، وافترضنا أنّهم معصومون في تلقّي النصّ القرآنيّ وتمييزه عن النصّ النبويّ بوضوح تامّ مع الجزم بواحديّة قناته الموصلة أو المصدّرة وهي الرّسول، فإنّ عثمان أقدم على حرق جميع المصاحف الأخرى أمام أنظار كبار الصّحابة ولم ينبس أحدهم ببنت شفة رغم الاتّفاق على أنّ مصحف صحابيّ كبير كعبد الله بن مسعود مثلاً يختلف ولو بشكل جزئي عن هذه المصاحف، بل وذهاب مشهورهم إلى أنّ عثمان وموظّفيه أسقطوا ستّة أحرف ممّا جاء القرآن عليه وفق مرويّاتهم وأبقوا على حرف واحد فقط، وبالتّالي: فسكوت الصّحابة لا يعود لحقّانيّة الجمع وتطابقه مع أصله المفترض، وإنّما يعود لأسباب سياسيّة وعناوين ثانويّة معروفة.
#وأضف إلى هذا وذاك: فإنّ القرّاء المشهورين الّذين تنسب إليهم القراءات المعروفة لم يوثّقوا بل عرف عن بعضهم الفسق، ولا يمكن مقارنتهم بنقلة السنّة الثّقات وفق الموازين الإسلاميّة المعروفة، والّذين عُرفوا بعلمهم وتقواهم وورعهم في نقولاتهم، فكيف صارت اجتهادات أولئك جزميّة، ونقولات هؤلاء حتميّة البطلان؟!
#ولنترك جميع هذه الواضحات جانباً ونسأل: إنّ نسبة مئويّة عاليّة جدّاً من العبادات والمعاملات والطّقوس والممارسات الدّينيّة والمذهبيّة لهؤلاء الورديّين والمثاليّين المُنكرين لصدور روايات السنّة إنّما تعود أصولها وتفاصيلها أيضاً إلى شيء خارج عن النّصوص القرآنيّة الواصلة، وترتكز في نهاية المطاف إلى النّصوص الحديثيّة والرّوائيّة، فما هو تفسيرهم العلميّ المعقول لذلك، وهل يلتزمون بدين نسخة القرآن الواصلة والّتي تخلو من جميعها؟!
#نعم؛ هذه التمحّلات الّتي تفرّق بين نصوص نسخة القرآن الواصلة وبين النّصوص النبويّة والولويّة الواصلة بالأسانيد الصّحيحة والمعتبرة عند العلماء إنّما تعود لكونهم لا يُريدون الخدشة بتلك الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة والورديّة الّتي رسموها في أذهانهم منذ الولادة عن الرّسول وبعض صحابته والأئمّة المعروفين، ولهذا يقاتلون أنفسهم في سبيل إسقاط ما يُمكن إسقاطه، وقد جهلوا أنّ النّصوص القرآنيّة نفسها تمزّق مدّعاهم وتضعه تحت أقدامها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
 
 https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3533202403468725