الشّفّافيّة الماليّة عند سّفراء النّاحية!!

#روى الصّدوق في كتابه «كمال الدّين وتمام النّعمة» وتحت باب عنوانه: «باب ذكر التّوقيعات الواردة عن القائم “ع”» عن محمد بن عليّ الأسود القول: «كنت أحمل الأموال التي تجعل في باب الوقف [في قم حسب الظّاهر] إلى [السّفير الثّاني] أبي جعفر محمد بن عثمان العمري “رضي الله عنه” [في بغداد] فيقبضها منّي، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين [302ـ 303هـ] فأمرني بتسليمه إلى [السّفير الثّالث] أبي القاسم الروحي “رضي الله عنه”، وكنت أطالبه بالقبوض [الوصولات الماليّة]، فشكا ذلك إلى أبي جعفر العمري “رضي الله عنه”، فأمرني أن لا أطالبه بالقبض [أو القبوض] وقال: كلّما وصل إلى أبي القاسم وصل إليّ، … فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض». [كمال الدّين وتمام النّعمة: ج2، ص501ـ502].
#وقد علّق الصّدوق على هذه التّوقيع بتعليق غريب قائلاً: «الدلالة في هذا الحديث هي في المعرفة بمبلغ ما يحمل إليه [أي القائم “ع”]، والاستغناء عن القبوض، ولا يكون ذلك إلا من أمر الله عز وجلّ».
#ولنا في المقام تعليقات عاجلة:
#الأوّل ـ لا أدري كيف فهم الصّدوق من الرّواية أعلاه إنّ الإمام “ع” يعلم بمقدار المبالغ ولا حاجة لتقديم الوصولات وبالتّالي استكشف إنّ هذا الأمر لا يكون إلّا من الله!!؛ فإنّ هذا التّصرّف إنّ صحّ فهو تصرّف شخصي يرتبط بالأسود والسّفير الثّالث والثّاني، وإنّ المطالبة بالوصولات الماليّة في نظام الوكالات إجراء ضروري جدّاً لضبط الشّفافيّة وعدم التّسيّب المالي؛ فإذا كان الأسود يُريد الوصولات الماليّة لإيصالها إلى السّفير الثّاني فكان ينبغي على السّفير الثّالث الاستجابة له وتعزيز هذه الظّاهرة بين المؤمنين لا أن يتذمّر ويشتكي الأسود حسب نقله [!!]، وإن كان الأسود يُريد الوصولات الماليّة لإيصالها إلى أصحاب الأموال فكان ينبغي على السّفير الثّاني والثّالث منح هذه الوصولات لأصحاب الحقوق أيضاً؛ إذ إنّ ذلك أقلّ ما يمكن تقديمه لهم، فما علاقة هذه التّصرّفات بإثبات علم الإمام “ع” بمقدار الأموال؟!
#الثّاني ـ لم يرو الصّدوق عن محمد بن عليّ الأسود سوى بضع روايات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ثلاثاً منها: ترتبط بعلاقته الماليّة والشّخصيّة بالسّفير الثّاني والثّالث وأوّلها الرّواية أعلاه، وأثنين منها: ترتبط بنقله للصّدوق قصّة ولادته بدعاء الإمام “ع”، والظّاهر إنّ الأسود هو المصدر الأصلي والأساس لقصّة ولادة الصّدوق بدعاء الإمام “ع” لا غير، وهو الّذي يقف وراء نشرها واستفاضتها في مدينة قم.
#الثّالث ـ لم تذكر كتب التّراجم والرّجال أي سيرة أو توثيق أو ذمّ لمحمد بن عليّ الأسود، وبالتّالي فهو مجهول عندهم، إلّا إذا أراد أحد أن يستظهر وثاقته من عبارة: “رضي الله عنه” الّتي أردف بها الصّدوق اسمه، والالتزام بذلك ولوازمه صعبٌ جدّاً.


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...