إن من أغرب المفارقات الحوزويّة التي سمعتها في حياتي هي المفارقة التي طرحها الشيخ البشير “نزيل النجف”، فقبل ما يربو على عشر سنوات أجرت معه أحدى المجلّات الإيرانيّة حواراً حول حوزة النجف والمناهج الدرسيّة فيها، وسألته هذا السؤال: ما هي الشروط الّلازم توفّرها في الطالب لحضور البحث الخارج حتّى لو كان طالباً قويّاً ومتمكّناً؟ أجاب […]
إن من أغرب المفارقات الحوزويّة التي سمعتها في حياتي هي المفارقة التي طرحها الشيخ البشير “نزيل النجف”، فقبل ما يربو على عشر سنوات أجرت معه أحدى المجلّات الإيرانيّة حواراً حول حوزة النجف والمناهج الدرسيّة فيها، وسألته هذا السؤال: ما هي الشروط الّلازم توفّرها في الطالب لحضور البحث الخارج حتّى لو كان طالباً قويّاً ومتمكّناً؟
أجاب الشيخ البشير بما نصّه: أن يكون قد درّس [بالتشديد] هذه الكتب الثلاثة: الكفاية والرسائل والمكاسب دورتين، كما يلزم أن يكون قد درّس [بالتشديد] مثل كتاب المعالم خمس مرّات على الأقل ليكون مؤهّلاً لحضور الخارج!!!، [مجلّة ﭘژوهش وحوزه الفارسيّة، العدد: (16)، ص (112)].
#أقول: هذا معناه إن على طالب الحوزة النجفيّة أن يقضي ما يقرب من عشرين سنة من أغلى ساعات عمره درساً وتدريساً لكي يصبح مهيّئاً لحضور درس البحث الخارج عند الشيخ البشير؛ وبعد ذلك عليه يقضي أكثر من عشرين سنة من ساعات عمره الثمينة أيضاً في حضور درس البحث الخارج عند هذا أو ذاك؛ ليحصل على مرتبة الاجتهاد إذا شاءت المشيئة الحوزويّة ذلك، #وهذه الشروط قد تكون منطقيّة ومعقولة لأمثال سماحة الشيخ البشير من طلّاب الحوزة الذين يأتون من الهند وباكستان؛ حيث إن الحاجز الّلغوي المستحكم يمنعهم من فهم الكتب الحوزويّة ودروسها كما ينبغي، لكن تعميمها على عموم البلدان أمرٌ يستدعي النظر، خصوصاً ونحن نجد إن السيرة الذاتيّة للشيخ البشير تكذّب ذلك؛ حيث دخل سماحته إلى حوزة النجف في عام: (1965) وهو في عمر (23) سنة، وحضر البحث الخارج بعد ثلاث سنوات وربّما أقل، بل قام بتدريس البحث الخارج بعد (9) سنوات من دخوله للنجف كما يلوح ذلك من التناقضات التي جاءت في موقعه، ولا أدري لماذا يريد الشيخ البشير أن يمرّر شروطه التي لم تنزل الحوزة بها أي سلطان على أولاد الخايبة المساكين وهو نفسه لم يطبّقها؛ ولا أدري أيضاً لماذا هذا الصمت النجفي إزاء هذه المناهج والشروط البشيريّة التي لا تنتج سوى الضياع والخسران المبين، وليس لي إلا أن أندب المرحوم الشهيد السيّد #محمد الصدر، وأقول له: ماذا لو كنت حيّاً وتسمع هذا الكلام؟