#لا يسمع الشّيعي الاثنا عشريّ من حياة عليّ بن الحسين الملقّب بالسجّاد “ع” الّتي استمرّت ما يربو على ثلاثين سنة بعد مقتل والده “ع” سوى استغراقه بالبكاء والعويل على مقتل الحسين وأهل بيته “ع”، وقضاء يومه بالصّلاة وليله بالدّعاء؛ حيث كان «يصلّي في اليوم والّليلة ألف ركعة حتّى خرج بجبهته وآثار سجوده مثل كركرة البعير» كما يقولون، ويتحدّثون عن زهده بما لا مزيد عليه، وهكذا حتّى نهاية حياته لا يعرف الوعي الاثنا عشريّ المعاصر شيئاً عنها سوى قصص وحكايات وأساطير لا نهاية لها.
#لكنّنا إذا رجعنا إلى أمّهات الكتب الحديثيّة المعتبرة عند الطّائفة الاثني عشريّة ـ ولا نريد فتح الحديث عن غيرها ـ نجدها تنقل لنا صورة مختلفة تماماً؛ فقد كان “ع” «يختضب بالحنّاء والكتم»، «وعليه درّاعة سوداء وطيلسان أزرق» كما كان يستقلّ أفضل أنواع الدّواب حينها؛ إذ كان يشتري «الرّاحلة بمائة دينار يكرم بها نفسه»، وكان «يركب على قطيفة حمراء».
#كما كان “ع” «إذا سافر إلى الحجّ والعمرة تزوّد من أطيب الزّاد من الّلوز والسّكر والسّويق المحمّص والمحلّى»، وكان يلبس الملابس الفاخرة؛ إذ «يلبس في الشّتاء الخزّ، والمطرف الخزّ، والقلنسوة الخزّ فيشتو فيه، ويبيع المطرف في الصّيف ويتصدّق بثمنه، ثمّ يقول: من حرّم زينة الله الّتي أخرج لعباده والطّيبات من الرّزق»، وكان «يلبس الجبّة الخزّ بخمسين ديناراً، والمطرف الخزّ بخمسين ديناراً»، كما كان “ع” رجلاً مبراداً لا «تدفئه فراء الحجاز» «فكان يبعث إلى العراق فيؤتى» له «بالفرو فيلبسه».
#على أنّه “ع” كان «يحلّي ولده ونساءه بالذّهب والفّضة»، ولم يكن يهتمّ بغلاء الأسعار؛ إذ كان يرى: «إنّ الله عزّ وجلّ» قد «وكّل بالسّعر ملكاً يدبره بأمره»، ولهذا كان يقول: «وما عليّ من غلائه؛ إن غلا فهو عليه، وإن رخص فهو عليه»، وكان يقول: «لأن أدخل السّوق ومعي دراهم أبتاع به لعيالي لحماً وقد قرموا [اشتهوا الّلحم] أحب إليّ من أن أعتق نسمة».
#أضف إلى ذلك: فقد كانت له “ع” «وسائد وأنماط فيها تماثيل يجلس عليها»، وكانت له «أشبيدانة [موضع للطّيب] رصاص معلّقة فيها مسك، فإذا أراد أن يخرج ولبس ثيابه تناولها، وأخرج منها فتمسّح به»، وكان قد خرج ذات ليلة إلى مسجد الرّسول “ص” «وعليه جبّة خزّ وكساء خزّ، قد غلّف لحيته بالغالية [عطر فاخر في حينها]»، فاستغرب من خروجه في هذه السّاعة وفي هذه الهيئة فقال لهم: «إنّي أريد أن أخطب الحور العين إلى الله عزّ وجلّ في هذه الّليلة».
#وبالإضافة إلى هذا وذلك: كان “ع” يخطب النّساء بشكل غريب ولافت؛ إذ مرّ رجل من أهل البصرة من آل شيبان ذات يوم عليه، فقال “ع” له: «أ لك أخت؟ قال: نعم، قال: فتزوجنيها؟»، بل كان يُجري عقد النّكاح على مائدة الطّعام بلا خطبة أيضاً؛ حيث «كان يتزوّج وهو يتعرّق عرقاً»، أي وهو يأخذ الّلحم بأسنانه نهشاً، وكان “ع” إذا اشترى جارية ووجد بها عيباً غير الحمل فلا يردّها إذا ما وطئها، بل «كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها»، وكانت له «جارية تذبح له إذا أراد». [تنوير وإلماع: عموم النّصوص الّتي وضعناها ما بين معقوفتين هي نصوص روائيّة واردة في أمّهات الكتب الحديثيّة الاثني عشريّة المعتبرة، وجملة منها بأسانيد صحيحة عند المتأخّرين ناهيك عن أنّ جميعها بأسانيد صحيحة عند المتقدّمين].
#نعم؛ ينبغي أن نؤمن بأنّ دراسة هذه الشّخصيّات بمعزل عن القبليّات الكلاميّة والفلسفيّة والعرفانيّة الفاسدة الّتي تطوّق عنق الباحث وهو يقرأ الحقائق سوف تعطينا نتائج مختلفة تماماً، وتميّز لنا بين الوجود الحقيقيّ للشّخص المقروء، وبين وجوده المذهبيّ المولود لاحقاً، ولهذا ذهبنا في دراسات سابقة في ضوء معطيات حاول المذهبيّون تغطيتها وفلترتها: إلى أنّ للسجّاد “ع” توجّهاً مختلفاً تماماً عن توجّه والده “ع” في المصادمة، بل كان أقرب إلى مزاج عمّه الحسن بن عليّ “ع” القاضي بضرورة المهادنة والتّسوية والصّلح والابتعاد عن المواجهة، ولهذا بايع يزيد بن معاوية وانصهر مع البلاط الأموي، وسار على نهجه عموم أهل البيت المعروفين من سلالته، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#السجّاد_المذهبي