الرّسول، صفيّة، دحية، تأمّلات جادّة!!

#قتلتْ أوامر الرّسول “حيي بن أخطب” والد صفيّة في واقعة بني قريظة المعروفة، وتكلّلت هذه الأوامر بقتل زوجها وأخيها في يوم خيبر، اليوم الّذي روت صحاح المسلمين قول الرّسول فيه: «لأعطينّ هذه الرّاية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله»، حتّى أعطاها في الصّباح لعليّ بن أبي طالب، فوقع ما وقع، وحصل ما حصل. [صحيح البخاري: ج5، ص342ـ344، ط دار التّأصيل، أمالي الطّوسي: ص33ـ34، ط البعثة].
#وقد كانت اليهوديّة المفجوعة صفيّة ذات السّبعة عشر ربيعاً من حصّة الشّاب الجميل الّذي طالما تمثّل جبرائيل بصورته ـ كما قالوا ـ وهو دحية الكلبي، لكنّ الوشاة نقحّوا للرّسول موضوعاً آخر؛ فذكروا له جمالها، وجعلوا يمدحونها، وأنّهم ما رأوا في السّبي مثلها، فاستدعى الرّسولُ دحية وأخذ صفيّة منه، واصطفاها لنفسه، وقدّم له “سبعة أرؤس” مكانها لإرضائه، أي: «أعطاه بدلها سبعة أنفس تطييباً لقلبه». [شرح النّووي على مسلم: ج9، ص220، ط المصريّة بالأزهر]
#وبعد أن صارت صفيّة الأرملة المراهقة من حصّة الرّسول، سلّمها إلى أمّ سليم ـ وهي أمّ الصّحابيّ مالك بن أنس ـ كي تصنّعها وتهيّئها وتصلحها له، فجعل مهرها عتقها، وبعد سويعات من مغادرته خيبر ونقاوتها من حيضها جهّزتها له أمّ سليم وهو في الطّريق، فأهدتها له من الّليل، فأصبح النّبيّ “ص” عروساً، وأقام في الطّريق ثلاثة أيّام من أجل ذلك. [انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري: ج1، ص446ـ447، ج3، ص244ـ245، ج5، ص343ـ 345؛ صحيح مسلم: ج4، ص40ـ45، ط دار التّأصيل؛ مسند أحمد: ج19، ص268، ج21، ص195ـ196 ط الرّسالة؛ أمالي الطّوسي: ص404؛ إعلام الورى بأعلام الهدى: ج1، ص208، ط آل البيت].
#لم تغب عن المسلمين مأساويّة الحالة وإيلامها أيضاً؛ إذ كانوا يتصوّرون أنّ عروساً في تلك الحالات ستنتقم من رسولهم ليلة زفافها، ولهذا بات أبو أيّوب الأنصاري على باب الرّسول في ليلتها، وحينما رأى الرّسول خارجاً من خيمة العرس صباحاً كبّر وقال: «يا رسول الله كانت جارية حديثة عهد بعرس، وكنت قتلت أباها وأخاها وزوجها، فلم آمنها عليك»، فضحك الرّسول وقال له: خيراً. [مستدرك الحاكم: ج4، ص30، ط دار الكتب العلميّة، إسناده صحيح عندهم].
#بلى؛ قد تكون مصدوماً من سماع هذه الحقائق المسلّمة عند عموم المسلمين؛ لأنّك أحد ضحايا الصّورة النمطيّة الغارقة في المثاليّة الّتي رسموها في ذهنك خطأً عن رموز تلك المرحلة، والّتي اقتُلعت عن لحظتها السّوسيولوجيّة والكرونولوجيّة وزوّقت بمساحيق علوم الكلام والعرفان والفلسفة ومخلّفاتهم، لكنّ احتفاظك بهذه الصّورة بعد أن أفصحت لك الحقيقة عن وجهها وبان شعاعها لا معنى له، وهنا أمامك خياران:
#الأوّل: أن تسلّم بهذه الحادثة ولا تنبس ببنت شفة حيالها كما هي طريقة عموم المسلمين؛ بل تولّد تأويلات مكرّرة ومعروفة لتبرير فلسفة مثل هذا الزّواج وبهذه الصّيغة، وتنتج أحلاماً لاحقة أيضاً تُقرّر أنّ صفيّة كانت تفكّر بالرّسول وهي في حبائل زوجها حتّى لطمها على عينها!! وتقرّر أيضاً: أنّه خيّرها بين عتقها والزّواج منها أو العودة لأهلها، فاختارت الزّواج منه، مع أنّ مثل هذا التّخيير لمراهقة مفجوعة بأهلها جميعاً لا معنى له في المقام؛ إذ ذهب عمدتهم تحت حدّ السّيف، لكنّها بقيت وفيّة جدّاً لهم كما سنوضّح في بحوث لاحقة.
#الثّاني: أن تكذّب هذه الحادثة، وتنكر الموضوع من رأس انسياقاً مع مذهبيّاتك وجدليّاتك ومنافحتك مع الاتّجاه الآخر دون دراية ولا معرفة، لكن عليك أن تعرف: أن تكذيب هذا المشهد الوارد في صحاح المسلمين المتّفق على سلامتها وصحّتها ولو من خلال فهم وتطبيق خاطئ لآيتي: “وإنّك لعلى خلق عظيم” “وما أرسلناك إلّا رحمة”، إنّما يُعدّ ابتساراً غريباً وجهالةً فائقة؛ لأنّنا حتّى لو فرضنا التزامك بلوازم كلامك ـ ونحن نعلم أنّك لا تلتزم بذلك ولا تعرف لوازم ذلك أيضاً ـ إلّا أنّك ستواجه سيلاً من الآيات القرآنيّة الّتي تؤكّد ميل الرّسول للنّساء وإعجابه بهنّ بل وتحقيق رغباته قرآنيّاً أيضاً، وتواجه أيضاً سيلاً آخر من الآيات الّتي تأمر الرّسول بقتل الكفّار والمشركين وضرورة الإغلاظ عليهم وعدم الرّأفة بهم، فماذا ستصنع حينذاك بغية الحفاظ على تلك الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة في ذهنك عنه؟!
#لنترك إجابة مثل هذا السّؤال الحرج للغاية، وندعك تضرب أخماساً بأسداس من التّفكير والتّأمّل، لكن عليك أن تسلّم: أنّ رسولاً بهذه المواصفات من المحال أن تسوّقه إلى العالم المتحضّر اليوم بعنوان حمامة سلام وأمن وقيم وأخلاق، فإمّا أن ترفع اليد عن واقعك وتراثك الجزمي والقطعي المؤيّد بنصوص القرآن، وإمّا أن تؤمن بهذا الواقع القطعي المؤيّد بنصوص القرآن وتطرح فلسفتك المعقولة له.
#إن قلت: إنّنا ننكر تفاصيل هذه الحادثة من رأس ما دامت لم ترد في تراثنا الاثني عشريّ!! قلت: أوضحنا فيما مضى من بحوث بأنّ عموم المنظومة الشّيعيّة الاثني عشريّة ـ عقيدةً وفقهاً وتاريخاً ـ هي حاشية وهامش على الإسلام السُنّي، وما دام لم يرد عن الأئمّة المؤسّسين نفيٌّ لهذه الحكاية وتفاصيلها الأساسيّة رغم أهميّتها فلا شكّ في قبولهم إيّاها، ولهذا أقصى ما استطاعه بعض المفرطين في الولاء المذهبي من المعاصرين هو: ادّعاء أن النّصوص الرّوائيّة قرّرت أنّ عليّ بن أبي طالب هو من جلب صفيّة إلى الرّسول، وحاول التّشكيك في حراسة أبي أيّوب الأنصاري المتقدّمة، أمّا أصل مثل هذه الوقائع وتفاصيلها الأساسيّة فأمر مسلّم تاريخيّاً وروائيّاً دون شكّ وريب. [راجع: الصّحيح من سيرة الرّسول: ج18، ص85ـ 93، ط دار الحديث].
#أتمنّى أن تكون هذه السّطور القليلة خير منبّه لي ولأمثالي في ضرورة إعادة قراءة تاريخ الإسلام ورموزه بصيغة فاعلة، بمعزلٍ عن أوهام الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة الّتي رسمتها التّلقينات المذهبيّة الخاطئة في أذهاننا عن تلك المرحلة وزعاماتها؛ علّنا بذلك نكتشف سرّ تقهقرنا وتخلّفنا ورجعيّتنا، وإذا لم نفلح في ذلك فلا أقل أن نكتشف أنّنا كنّا ولا زلنا ضحيّة حيلة ماكرة وإن لم نستطع الخروج منها، لكنّا نأمل أن تتحمّل الأجيال القادمة مسؤوليّة ذلك، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الرّسول_المذهبي

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3236808313108137