الرّسول، زيد، زينب، إشكاليّة الصّراحة!! الحلقة الثّانية

#حين العودة إلى الموروث الرّوائي الإسلاميّ بنحو عامّ سنعثر على نمطين من التّفكير تقريباً لإجابة أصل الإشكال، وكلاهما ينصّان على تحميل الرّسول مسؤوليّة التّقصير إزاء هذا الموضوع وإن اختلفا في تفسير طبيعته، وسنقصر النّظر على ذكر أربعة نماذج روائيّة لهذين النّمطين، بمعزل عن نظريّة العصمة في التّبليغ كما يرى الواقع السُنّي، وحكاية نظريّة العصمة الكلاميّة والفلسفيّة المولودة لاحقاً، أو الإسقاطات الفاسدة لنظريّة الإنسان الكامل، كما قد تشاهد في بعض الزّوايا المذهبيّة الأخرى.
#النّموذج الأوّل: روى عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره، بإسناده الصّحيح عنده وعندهم، عن جميل بن درّاج، عن الصّادق “ع” إنّه قال في رواية طويلة تحدّثت عن طريقة استرقاق الرّسول لزيد وتبنّيه إيّاه: «… فلمّا هاجر رسول الله “ص” إلى المدينة، زوّجه زينب بنت جحش، وأبطأ عنه يوماً، فأتى رسول الله “ص” منزله يسأل عنه، فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيباً بفهر [حجر]، فنظر إليها، وكانت جميلة حسنة، فقال: سبحان الله خالق النّور، وتبارك الله أحسن الخالقين، ثمّ رجع رسول الله “ص” إلى منزله، ووقعت زينب في قلبه موقعاً عجيباً، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله “ص”، فقال لها زيد: هل لك أن أطلّقك حتّى يتزوّجك رسول الله “ص”؛ فلعلّك قد وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلّقني ولا يتزوّجني رسول الله “ص”. فجاء زيد إلى رسول الله “ص” فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ أخبرتني زينب بكذا وكذا، فهل لك أن أطلقها حتّى تتزوّجها؟ فقال رسول الله: لا، اذهب فاتّق الله وأمسك عليك زوجك، ثمّ حكى الله فقال: “أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مُبديه، وتخشى النّاس والله أحقّ أن تخشاه؟! فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوّجناكها، إلى قوله: وكان أمر الله مفعولاً”، فزوّجه الله من فوق عرشه». [بحار الأنوار: ج22، ص214ـ216؛ تفسير القمّي: ج2، ص172ـ173، تحقيق: الجزائري؛ ج3، ص807ـ808، ط مؤسّسة المهدي].
#النّموذج الثّاني: أورد الصّدوق المتوفّى سنة: “381هـ” رواية صحيحة السّند عنده عن عليّ بن محمّد بن الجهم، وهي رواية طويلة تتحدّث عن إجابة الرّضا “ع” عن بعض الأسئلة الّتي وجّهها المأمون العبّاسي له، ومنها سؤاله إيّاه عن تفسير الآية محلّ البحث، فـ «قال الرضا “ع”: إنّ رسول الله “ص” قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل، فقال لها: سبحان الّذي خلقك»، فبدأ الرّضا بطرح تأويلية عجيبة غريبة لما نقله عن الرّسول بعد رؤيته لزينب تغتسل فقال: «وإنما أراد بذلك تنزيه الباري عزّ وجلّ عن قول من زعم أنّ الملائكة بنات الله، فقال: الله عزّ وجل أ فأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً إنّكم لتقولون قولاً عظيماً. فقال النّبي لمّا رآها تغتسل سبحان الّذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التّطهير والاغتسال، فلما عاد زيدٌ إلى منزله أخبرته امرأته بمجي‏ء رسول الله “ص” وقوله لها: سبحان الّذي خلقك، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك، وظنّ أنّه قال ذلك لما أعجبه من حسنها، فجاء إلى النّبيّ “ص” وقال له يا رسول الله “ص”: إنّ امرأتي في خلقها سوء وإنّي أريد طلاقها، فقال له النّبيّ “ص”: أمسك عليك زوجك واتّق الله، وقد كان الله عزّ وجلّ عرّفه عدد أزواجه وأنّ تلك المرأة منهنّ فأخفى ذلك في نفسه، ولم يُبده لزيدٍ وخشي النّاس أن يقولوا: إنّ محمداً يقول لمولاه إنّ امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك، فأنزل الله عزّ وجل: “وإذ تقول للّذي أنعم الله عليه ـ يعني بالإسلام ـ وأنعمت عليه ـ يعني بالعتق ـ أمسك عليك زوجك واتّق الله، وتُخفي في نفسك ما الله مُبديه وتخشى النّاس، والله أحقّ أن تخشاه. ثمّ إنّ زيد بن حارثة طلّقها واعتدت منه فزوّجها الله عزّ وجلّ من نبيه محمد “ص” وأنزل بذلك قرآناً… ثمّ علمّ الله عزّ وجلّ أنّ المنافقين سيعيبونه بتزويجها، فأنزل الله تعالى: “ما كان على النّبي من حرج فيما فرض الله له”. فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله، وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليّ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً». [عيون أخبار الرّضا: ج1، ص203].
#النّموذج الثّالث: أخرج ابن أبي حاتم المتوفّى سنة: “327هـ” في تفسيره بإسناده الضّعيف عندهم عن عليّ بن زيد بن جذعان، عن عليّ بن الحسين “ع” إنّه قال: «الله أعلم نبيه أنّها ستكون ستكون من أزواجه قبل أن يتزوّجها، فلما أتاه زيد ليشكوها إليه قال: اتّق الله، وأمسك عليك زوجك، فقال: قد أخبرتك أنّي مزوجكها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه». [تفسير ابن أبي حاتم: ج9، ص3135، ط مكتبة نزار مصطفى الباز].
#النّموذج الرّابع: ما قوّاه ابن حجر وصحّح إسناده أيضاً، وهو ما أخرجه ابن ابي حاتم في تفسيره بإسناده الصّحيح عندهم عن السدّي في تفسير الآية محل البحث حيث قال: «بلغنا أنّ هذا الآية أُنزلت في زينب بنت جحش “رض”، وكانت أمّها أميمة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله “ص”، فأراد أن يزوّجها زيد بن حارثة “رض”، فكرهت ذلك، ثمّ إنّها رضيت بما صنع رسول الله “ص”، فزوّجها إيّاه، ثمّ أعلم الله نبيه “ص” بعد أنّها من أزواجه، فكان يستحي أن يأمر زيد بن حارثة بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب بعض ما يكون بين النّاس فيأمره رسول الله “ص” إن يمسك عليه زوجه، وأن يتّقي الله، وكان يخشى النّاس أن يعيبوا عليه؛ أن يقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان رسول الله “ص” قد تبنى زيداً». [تفسير ابن أبي حاتم: ج9، ص3137؛ فتح الباري: ج14، ص159، تحقيق: الأرنؤوط]. [يُتبع].
#ميثاق_العسر
#الرّسول_المذهبي