لنفترض أنّ شخصاً كتب كتاباً وانتقد فيه الإسلام ورسوله وإلهه وقرآنه ومذاهبه وفرقه نقداً علميّاً محضاً، فهو بهذا العمل يمارس حريّة التّعبير المكفولة ديموقراطيّاً حسب الاصطلاح المتعارف عليه بين البلدان المتنوّرة، وينبغي على أيّ دولة تدّعي مثل هذا الحكم حمايته وتوفير الأمن الّلازم له، بمعزل عن حقّانيّة نقده وتماميّة آرائه، وكذا لو انتقد اليهوديّة والنّصرانيّة أو أيّ دين آخر، وهذا ما قامت عليه سيرة البلدان الدّيموقراطيّة المتقدّمة وقوانينها وأعرافها.
نعم؛ متى ما خرج هذا الشّخص إلى الشّارع ونصب سيطرات لمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم أو طقوسهم فيحقّ للدّولة حينذاك أن تُصدر مذكّرة اعتقال بحقّه انسياقاً مع القانون المتّفق عليه والسّائد في هذا البلد الدّيموقراطيّ، كما أنّ محبّي هذا الشّخص لو خرجوا إلى الشّارع ومارسوا ذلك فينبغي منعهم أيضاً، والكاتب نفسه لا يتحمّل مسؤوليّة التّحريض على ذلك طالما كان يميّز بين المقامين، والقانون لا يحمي المغفّلين والمندفعين.
المؤسف: إنّ الإسلاميّين ـ بعرضهم العريض ـ في بلداننا يدّعون الدّيموقراطيّة الّليبراليّة الحقيقيّة على مستوى الأفكار والنّظريّات وحريّة التّعبير، لكنّهم يُطبّقون نوعاً قمعيّاً منها منبثقاً ممّا يُسمّى بثوابتهم الدّينيّة والمذهبيّة والمجتمعيّة؛ فهم يُريدون أن يجعلوا من دينهم ومذهبهم ورموزه خطوطاً حُمراً لا يحقّ للشّخص حتّى التّفكير في نقدها فضلاً عن ممارسة ذلك، وفي الوقت نفسه يدّعون أنّهم من دُعاة الدّيموقراطيّة الحقيقيّة ويتشدّقون بذلك، وأنّهم من دعاة الرّأي والرّأي الآخر أيضاً!!
مع أنّ هذه الممارسة خلاف العمليّة الدّيموقراطيّة اللّيبراليّة تماماً؛ إذ ما عليهم أن يفهموه هو: لا حقّ لهم في منع الشّخص من ممارسة نقده طالما لم يمسك عصا بيده ويخرج إلى الشّارع ليمنع النّاس من ممارسة طقوسها، لا أن يكمّموا أفواه بعض فئات النّاس بعناوين مبتدعة تحت طائلة حماية الدّستور ومقولاته؛ إذ يجب أن نميّز جيّداً بين نقد ما يُسمّى بالثّوابت الدّينيّة والمذهبيّة والدّستوريّة علميّاً، وبين انعكاس هذا النّقد على الواقع الخارجي وتحوّله إلى مصدّات وسيطرات تمنع النّاس من ممارسة طقوسها؛ فالأوّل: حقّ ديموقراطيّ مكفول للجميع، والثّاني: مخالف للقوانين المتّفق عليها، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.