#لكي نوضّح طبيعة الآليّات البدائيّة الّتي اعتمدها جامعو نسخة القرآن البعدي وطبيعة المشاكل الّتي خلّفتها يحسن بنا أن نضرب مثالاً بسيطاً فنقول: تحدّثنا في بحوث سابقة عن أنّ السّبب المشهور والمعروف والحصري تقريباً لدى علماء الإسلام والّذي دعا لتشريع التّيمّم إنّما هو البحث عن قلادة عائشة ونوم الرّسول على فخذها واستيقاظه بعد ذلك للصّلاة وفقدانه الماء، وهو أمر أفضى لنزول أو صدور آيتي التيمّم المعروفتين، لكنّ الخلاف العظيم الّذي وقع بين علماء الإسلام في أنّ أيّاً منهما عنتها عائشة؛ وذلك لأنّ هناك آيتين متطابقتين تطابق القذّة بالقذّة تقريباً تتحدّثان عن تشريع التيمّم في نسخة القرآن المتداولة.
#الأولى: الآية الثّالثة والأربعون من سورة النّساء الّتي جاء فيها: «…وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم…».
#الثّانية: الآية السّادسة من سورة المائدة والّتي جاء فيها: «… وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه…».
#فذهب ابن العربي المتوفّى سنة: “543هـ” إلى أنّها الدّاء الّذي لا دواء له؛ إذ لا نعلم أيّ الآيتين عنتها عائشة؛ وقال ابن بطّال المتوفّى سنة: “449هـ”: إنّها آية النّساء أو آية المائدة؛ وأورد الواحدي المتوفّى سنة: “468هـ” حديث قلادة عائشة في آية النّساء؛ وقال القرطبي المتوفّى سنة: “656هـ”: هي آية النّساء؛ وذلك لأنّ آية المائدة تُسمّى آية الوضوء، وآية النّساء خالية منه، فيتّجه تخصيصها بآية التّيمّم، ، لكنّ ابن حجر المتوفّى سنة: “852هـ” نصّ على أنّ ما خفي على الجميع أنّ البخاري المتوفّى سنة: “256هـ” قد قرّر دون تردّد كونها آية المائدة؛ بقرينة رواية عمرو بن الحارث الّتي حملت قوله: فنزلت “يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة…”، وهي مطلع آية المائدة. [راجع في هذا الصّدد: أحكام القرآن، ابن العربي: ج1، ص561ـ562، ط دار الكتب العلميّة؛ شرح البخاري لابن بطّال: ج1، ص468، ط مكتبة الرّشد؛ أسباب النّزول: ص102؛ فتح الباري: ج2، ص153].
#ومن الواضح: أنّ هذا الحيص بيص الّذي وقع فيه الأعلام سببه إيمانهم بسماويّة الجمع القرآني، مع أنّ الأمر ليس كذلك جزماً، وإنّما وقع الجمع وفقاً لاقتراحات بشريّة وبآليّات متواضعة جدّاً، ولا حاجة لجميع هذه التكلّفات والتّمحلّات؛ إذ نرى أنّ آية التيمّم لم تكن سوى واحدة فقط وهي الّتي عنتها عائشة، لكنّ جامعي القرآن قد عمدوا لإقحامها ولتكرارها نظراً لآليّاتهم البدائيّة جدّاً في الجمع القرآني والّتي اعتمدوا فيها حتّى على أخبار الآحاد، ولا يوجد هناك أيّ شاهد أو مبرّر يدعو لنزولها أو صدورها مرّتين وبالّلفظ نفسه؛ لأنّها ليست من قبيل الآيات الّتي يُحتمل تكرّرها في مواطن مختلفة للوعظ والإرشاد والتّذكير والّذي كان الشّغل الشّاغل للرّسول في مكّة أو المدينة، وإنّما هي من الآيات الّتي لا يُحتمل فيها التّكرار من قبيل آية الوضوء، فإذا عرفت ذلك ستعرف أنّ هذا الأمر من قبيل الباب الّذي ينفتح لك منه ألف باب، وستقف على أحد الأسباب الأساسيّة الّتي تكمن وراء التّكرار في نسخة القرآن البعديّة وغير ذلك أيضاً، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#القرآن_البعدي