الباقر “ع” يصف من يخالفونه بأولاد البغايا!!

#روى الكليني المتوفّى سنة: “329هـ” بإسناده الصّحيح عنده عن أبي حمزة الثّمالي، إنّه قال للباقر “ع”: «إنّ بعض أصحابنا يفترون، ويقذفون من خالفهم». فقال له: «الكفّ عنهم أجمل، ثم قال: والله يا أبا حمزة، إنّ النّاس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا»، فقال له أبو حمزة: «كيف لي بالمخرج؟!»، فأجابه “ع”: «يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدلّ عليه: إنّ الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفي‏ء، ثمّ قال عزّ وجلّ: “واعلموا أنّما غنمتم من شي‏ء فأنّ لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل”، فنحن أصحاب الخمس‏…». [الكافي: ج8، ص285].
#وفي مقام التّعليق على هذه الرّواية يُستحسن ذكر بعض الملاحظات:
#الأولى: يكشف لنا أبو حمزة الثّمالي عن ظاهرة موجودة ومعروفة ومنتشرة بين بعض أصحاب الأئمّة في ذلك الوقت وهي: ظاهرة الافتراء على من يخالفهم في المعتقدات الإسلاميّة الأخرى ووصفهم بأولاد الزّنا، وكان يُريد من الباقر “ع” بيان الموقف الشّرعي لمثل هذه الممارسات، وهي ظاهرة متداولة حتّى اليوم في داخل الأوساط الّتي تدّعي التديّن والورع والتّقوى، ويستندون إلى أمثال هذه الممارسات لتسويغها بل وحتّى وجوبها، ويصفون بهذه الأوصاف من يشترك معهم في المذهب الواحد أحياناً إذا ما اختلف معهم في وجهات النّظر العلميّة أو السّياسيّة.
#الثّانية: لم يسجّل الباقر “ع” تحريماً لهذه الممارسات، بل اكتفى بمفردات عدم الانبغاء وضرورة الكفّ الظّاهرة في الكراهة ولا إجمال فيها، لكنّه في الوقت نفسه أكّد واقعيّة هذه الأوصاف، مبيّناً لأبي حمزة أنّ جميع النّاس أولاد بغايا سوى شيعتهم، وحينما استفهم منه أبو حمزة الثّمالي عن المستند الّذي أوصله إلى ذلك، أخبره بأنّ لهم حقّاً ماليّاً قرآنيّاً يقدّر بنصف الفيء وإتاواته وعشر الغنائم الحربيّة، وحيث إنّ هؤلاء لا يدفعونه لهم، وينكحون الجواري ويدفعون المهور فتصبح ذراريهم أولاد زنا، خلافاً لشيعتهم الّذين أحلّوا لهم ذلك!!
#الثّالثة: لم يكن هذا المعنى غريباً عن نصوص نجله الصّادق أيضاً “ع”؛ إذ روى الكليني والطّوسي بأسانيدهما الصّحيحة عندهما والمعتبرة عند غيرهما معاً على الأظهر ـ عن ضريس الكناسي إنّه “ع” قال له: إنّ الزّنا دخل على النّاس بسبب عدم دفعهم لخمس أهل البيت، لكنّه تفضّل على شيعته فحلّله لهم؛ ليحلّل ميلادهم. [الكافي: ج1، ص546؛ تهذيب الأحكام: ج4، ص136].
#الرّابعة: من حقّك كشيعي معتقد بالإمامة الإلهيّة الاثني عشريّة أن تتعبّد بهذه النّصوص وتحير بعد ذلك في كيفيّة إقناع نفسك فضلاً عن الآخرين بها، لكنّ أيّ باحث محايد سيتسمّر مذهولاً أمام المسوّغات الشّرعيّة والأخلاقيّة الّتي سمحت لصاحب هذا النّص أن يصف جميع النّاس ما عدا شيعته بأولاد المومسات ولأسباب ماليّة أيضاً؛ فإنّ الثّابت والمعروف في الفقه الإسلامي أنّ لكلّ قوم نكاح، كما أنّ قناعات هؤلاء الفاتحين أو الغانمين في توزيع الفيء والغنيمة تستند إلى مسوّغات اجتهاديّة كانوا قد توصّلوا إليها، لذا يصعب جدّاً تبرير هذه الممارسات الّتي كان بعض أصحاب الباقر “ع” يمتهنها ناهيك عن الغطاء الشّرعي الّذي وفّره “ع” لها.
#الخامسة: لا يمكن الاقتصار في تفسير البغاء الّذي أطلقه الباقر “ع” على غير شيعته على البغاء الباطني الّذي قد يكون اكتشفه بما لديه من علم لدنّي مفترض، بل احتمل بعضهم أن يكون المقصود منه المعنى الحقيقيّ له، «ولكن بلحاظ أنّ ولد الزّنا حقيقة لا يوفق لأنْ تختم حياته على خير؛ بسبب سلوكه المنحرف والمقتضيات الوراثيّة»، وضرب لذلك مثلاً بزياد بن أبيه، وكثير ممّن سمّاهم بالمجرمين عبر التّاريخ على شاكلته. [صادق الرّوحاني، استفتاء موجود على موقعه].
#السّادسة: يتعرّض الفقهاء الاثنا عشريّة المعاصرون لذيل هذه الرّواية في مباحث التّحليل من كتاب الخمس عادة، ويسقطونه عن الاعتبار سنديّاً لوجود مشاكل في سنده، كما يحصرون دلالتها في التّحليل بالأموال المتأتّية من الفيء والغنائم الحربيّة، ولا تشمل بقيّة الأقسام المطروحة في الخمس.
#السّابعة: نحن لا نؤمن بالطّريقة الأصوليّة المذهبيّة المعروفة في المذهب الاثني عشريّ القاضية بوضع نصوص الأئمّة المعروفين جميعاً في سلّة واحدة وكأنّها صادرة من متكلّم واحد فارد ومن ثمّ فهمها والاستنباط منها أو معالجة تعارضاتها…، بل نؤمن بأنّ الأصل يقرّر أنّ لكلّ شخص منهم حساب مختلف عن الآخر، نعم؛ قد نخرج عن هذا الأصل بحدود ما دلّ عليه الدّليل وقامت عليه القرائن، ومن غير ذلك فالأصل محكّم.
#الثّامنة: لا يمكن المصير لإسقاط هذه النّصوص المرويّة في كتب المؤسّسين الاثني عشريّة المعتبرة عن طريق الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة في الأذهان المعاصرة خطأً عنهم، ولا عن طريق معالجتها وتمييعها بتوسّط نصوص أخرى للإمام نفسه أو لبقيّة الأئمّة ولو عن طريق التّفريق بين البغاء والزّنا؛ وذلك لأنّها نصوص معتبرة عند مؤسّسي المذهب الاثني عشريّ وقد عمّقوا المذهب على أساسها، مضافاً إلى ما ذكرناه في النّقطة السّابعة، نعم؛ قد يلجأ بعض المعاصرين إلى إسقاطها عن الاعتبار لضعف سندها ومن ثمّ تفقد أحد شروط حجيّة الخبر الصّالح للإفتاء الفقهي، لكنّنا أوضحنا في النّقطة الثّالثة أنّ أصل هذا المضمون متّفق على صحّته وسلامته؛ خصوصاً لمن رجع إلى أخبار التّحليل الّتي علّلت التّحليل بطيب الولادة والمناكح، ومن ثمّ فهي واضحة الإشارة إلى هذا المضمون وإن اختلفت ألفاظه فتأمّل.
#وأخيراً: تكشف هذه النّصوص وما يضاهيها عن صورة أخرى للباقر وبقيّة الأئمّة المعروفين عند الطّائفة الاثني عشريّة، صورة بشريّة بامتياز، لا تنسجم مع ما رسموه في أذهانهم المعاصرة من صورة نمطيّة غارقة في المثاليّة عنهم انسياقاً مع أوهام مذهبيّة ومنبريّة لاحقة، وعليه: فالأصل المحكّم الّذي نسير عليه: أنّ الأصل في أمثال هذه النّصوص لا شخصها ـ وهذا قيد مهمّ جدّاً لمن ألقى السّمع وهو شهيد ـ هو إمكان صدورها؛ لكونها منسجمة تماماً مع الطّبيعة البشريّة، الّلهم إلّا أن يقوم الدّليل المعتبر على الخروج عن هذا الأصل، وهو ممنوع في المقام، بل الدّليل على تعميق هذا الأصل البشريّ فيهم هو المتواتر والثّابت اليقينيّ الّذي لا يمكن رفع اليد عنه ولو بألف بيان كلاميّ أو فلسفيّ أو عرفانيّ لاحق، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر