#لو ولدت أنت وأشقّاؤك الثّلاثة كتوائم، وشاءت الأقدار أن تفقدوا أباكم وأمّكم في لحظة الولادة، فبادرت أسر مختلفة الأعراق والأديان والاهتمامات إلى تكفّلكم وتربيتكم، فكان أحدكم في مكّة فصار سُنيّاً سلفيّاً جهاديّاً، وكان قدر الثّاني أن يعيش في تل أبيب فصار يهوديّاً متشدّداً، ونشأ الثّالث في الفاتيكان فصار مسيحيّاً متزمّتاً، وتربّيت أنت في إحدى ضواحي رصافة بغداد فصرت ثوريّاً إماميّاً اثني عشريّاً.
#فلا أنت اخترت دينك ومذهبك وبحثت في أدلّته وتوصّلت إلى حقّانيّته بدليل موضوعيّ معتبر ومن ثمّ عقدت القلب عليه، ولا بقيّة أشقّائك أيضاً، فإذا قدّر لكم الّلقاء بعد سنين، وإعادة النّظر في عموم معتقداتكم، ووجدّتم بعد البحث والتّنقيب والفحص والتّأمّل الحيادي: أنّ تفاصيل كثيرة من أساساتها باطلة ولا أصل لها، فهل ستعيشون حالة الضّياع وفقدان الهويّة ولا تستطيعون الحياة بعد ذلك مثلاً ويطلبّ كلّ واحد منكم من الآخر أن يوجد له بديلاً؟!
#لا شكّ في أنّ الأمور ليست كذلك، وإنّ الإنسان الّذي يولد على دين ومذهب معيّن يتوهّم أنّ ما ولد عليه من عقيدة هي الحقّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولهذا يتصوّر أنّ أيّ طرح لا يوفّر له بديلاً من بطن هذا الدّين والمذهب اللذين ولد عليهما ـ بنحو يحفظ له الطّاس والحمّام أنفسهما ـ فهو يُريد استهداف بيئته الدّينيّة الّتي يفترضها آمنة، ويريد إخراجه من الاستقرار إلى الضّياع، مع أنّ هذا الكلام جهالة ما بعدها جهالة، ويؤكّد بما لا مزيد عليه: إنّ الأصل الأصيل الّذي يحدّد دين ومذهب الإنسان هو محلّ ولادته ونشأته وترعرعه، وكلّ ما يُقال من حكاية أخبار الطّينة أو البحث والتّنقيب فهو تسطيح للوعي وضحك على الذّقون، والعرف ببابك، فتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3437362026386097