وجّه زرارةُ لأستاذه الإمام محمد بن علي الباقر “ع” يوماً هذا السؤال: “ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إنّ المسح [في الوضوء] ببعض الرأس وبعض الرجلين؟!”
#ضحك الإمام وبدأ يوضّح لزرارة الآليّة والطريقة الاجتهاديّة التي دعته للقول بكفاية مسح بعض الرأس وبعض الرجلين في الوضوء، فقال:
يا زرارة إن هذا الأمر قاله رسول الله “ص”، ونزل به الكتاب من الله أيضاً؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: “وأغسلوا وجوهكم”، فعرفت أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يُغسل، ثمّ قال تعالى: “وأيديكم إلى المرافق”، ثمّ فصّل بين الكلام فقال: “وأمسحوا برؤسكم”، فعرفت حيث قال: “برؤسكم” إن المسح بعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: “وأرجلكم إلى الكعبين”، فعرفت حين وصلها بالرأس إن المسح ببعضها، ثمّ فسّر رسول الله “ص” ذلك للنّاس فضيّعوه… . [الكافي: ج3، ص30].
#أقول: لماذا لم يقل الإمام الباقر “ع” لزرارة صه؛ إن سؤالك يكشف عن قلّة اعتقاد وأدب!! أ لا تعلم إنّي عالم غير معلّم، ولديّ ولاية تكوينيّة وتشريعيّة، وهل يسأل مثلك هذا السؤال البائس؟! ولماذا بدأ الإمام يُرشد زرارة إلى آليّة الممارسة الاستنباطيّة الاجتهاديّة التي وظّفها في سبيل اكتشاف مثل هذا الحكم الفقهي بأريحيّة وعلميّة كما هي عادتهم “عليهم السلام”؟!
#كلّ هذا يكشف عن إن الأفق الاعتقاديّ “الرسمي” لخيرة أصحاب الأئمّة وحواريّيهم في تلك المرحلة لم يكن يعي مقولات علم الكلام الشيعي المتأخّر بالنسبة للإمام، بل كان يتعاطى معهم “ع” برؤية مختلفة تماماً، لكن حينما يقرأ المتأخرون والمعاصرون مثل هذه الأسئلة – وهم مشحونون بمنتجات المصنع الكلامي والأصولي والمذهبي – تجدهم يلجأون إلى تأويلات تعسّفيّة تلوي عنق أفق تلك المرحلة ونصوصها؛ فتفترض إن زرارة أراد مواجهة العامّة بهذه الأجوبة من غير أن تُفصح عن طبيعة الاتّجاه الرسمي لفقهاء أهل البيت حينذاك، ولله في خلقه شؤون.