#قد تستغرب إذا قال لك كاتب السّطور: إنّ فقيهاً كبيراً كزرارة بن أعين كان يجهل نظريّة إنّ عدد الأئمّة أثنا عشر إماماً ويجهل أصل الفكرة أيضاً، وظلّ حائراً بعد رحيل الصّادق “ع” وبعث ابنه إلى المدينة لغرض معرفة من هو الإمام بعده، وتقول بينك وبين نفسك: هل يُعقل إنّ فقيهاً مقرّباً ومخلصاً وملتصقاً بالصّادق “ع” وقبله الباقر “ع” وهو لا يعرف ذلك؟! إن هذا لعجب عجاب، فتبادر فوراً إلى السّؤال من غير المختصّين ممّن تعلّموا هذه البحوث في سياقاتهم المنبريّة والمذهبيّة والّتي تدخل إلى هذه البحوث وهي ملزمة بالوصول إلى نتيجة مذهبيّة محدّدة، فيكون الجّواب فوراً بالنّفي، وتبدأ عمليّات التأويل التّعسفيّة ونحت الأدلّة بعد الوقوع… ولكنّ: حينما تسمع هذا الأمر من فقيه ورجالي يعترف بمتابعاته واستقصاءاته عموم المختصّين في حوزتي النّجف وقم فقد يهدأ روعك، وتبدأ فوراً بتغيير استراتيجيّتك الدّفاعيّة إذا كنت معانداً أو تعيد النّظر في قناعاتك إذا كنت طالباً للحقيقة… نعم؛ #سأترككم مع مقطع قصير للرّجالي المعاصر والمعروف المرجع السيّد شبيري الزّنجاني طرحه في مجلس درسه يحدّثنا فيه بحقّ عن أفق تلك المرحلة العقائدي رغم تحفّظنا الشّديد على النّتائج الّتي رتّبها عليه؛ حيث أفاد في سياق حديثه عن إنّ المقولات الاعتقاديّة الّتي بُيّنت في عهد الأئمّة “ع” إنّما هي أصولها دون تفاصيلها، وإنّ النّظرة السّائدة للأئمّة “ع” في وقتها لم تكن سوى إنّهم “ع” أئمّة نصبهم الله لهداية البشر وعليه فإنّ كلماتهم معتبرة وعلى الجّميع إطاعتهم دون جدال ونقاش، نعم حينما توافدت الرّوايات الكثيرة حول هذه التّفاصيل في الأعصار الّلاحقة ـ ولا أدري كيف ولماذا ـ تنجّز علينا الإيمان بمضمونها ولا محيص من ذلك [!!]، وفي هذا السّياق أفاد ما ترجمته سريعاً بقلمي:
«أمّا مسألة عصمتهم “ع” من الخطأ فهي من المسائل الاعتقاديّة الضّروريّة الّتي يجب الاعتقاد بها في هذه الأيّام، ودليل ضرورتها هو: وجود نصوص عديدة تتحدّث عن عصمة أهل البيت “ع” يقطع الإنسان بصدورها من الله والنّبي الأكرم “ص” ولا يبقى مجال لإنكار ذلك، ولكنّ هذه المسألة لم تكن بهذا الوضوح والشّفافيّة في القرون الأولى، ولهذا ينصّ الشّهيد الثّاني قائلاً: «أن ذلك هو الذي يظهر من جلّ رواتهم وشيعتهم؛ فإنّهم كانوا يعتقدون أنّهم “ع” علماء أبرار، افترض الله طاعتهم، هذا من جانب.
#ومن جانب آخر: لم يتمكّن الأئمّة “ع” أن يوضّحوا بعض هذه القضايا بشكل علني في كلّ مجلس، بل طرحوا هذه القضايا بشكل محدود وبين خواصّ الأصحاب أيضاً، ومن باب المثال: فإنّ شخصيّة مثل زرارة لم يكن يعلم إنّ أئمّة الشّيعة أثنا عشر إماماً، ولأجل هذا أرسل ولده [إلى المدينة] للتّحقيق بالأمر… بيد إنّهم في تلك الفترة لم يكونوا موظّفين بأكثر من معرفة إمام زمانهم وكذا الأئمّة الّذين سبقوه، وهذا المقدار كان متوفّراً فيهم، أمّا نحن الّلاحقون لهم فحيث إنّنا نعيش في زمن آخر إمام منهم “ع” فنحن ملزمون بمعرفة الأئمّة الأثني عشر وبالاعتقاد بهم أيضاً، وكثرة الّروايات وتعدّدها ألزمتنا الحجّة بذلك، مع إنّ مثل هذه الكثرة الرّوائيّة لم تكن متوفّرة في زمن الأئمّة “ع”». [انتهى بيانه مترجماً من الفارسيّة].
#أقول: أجد من الّلازم أن أسجّل ملاحظات عابرة وأترك الباقي إلى نباهة القارئ:
1ـ اعتقد إنّ فقيهاً ورجاليّاً كالزّنجاني لم يتأثّر بالحداثويّين والتّنويريّن الإيرانيّين لكي يعزف بعضهم معزوفته المعروفة كلّما سمعوا كلاماً لا ينسجم مع مذاقهم المذهبي؛ بل إنّ من خَبر الرّوايات ومحصّها اجتهاداً لا تقليداً يعرف حيرة زرارة وأضرابه بوضوح ويعرف دلالتها الواقعيّة أيضاً، سواء اعتمد على النّصوص الرّوائيّة المستفيضة والمتعاضدة أو جعل الواقع التّاريخي وانقسامات الفرق والأوصاف الرّجاليّة وغيرها دليلاً حاسماً لا مجال للشّك فيه في خصوص هذا الموضوع.
2ـ كلام الزّنجاني واضح لا يدع مجالاً للشّك إلّا للمكابر في كون زرارة بن أعين كان يجهل نظريّة الأئمّة الأثني عشر، وهذا الأمر متّفق عليه ومتسالم، نعم حاول أن يطرح تفسيراً لذلك، وهذا التّفسير لا نتّفق معه فيه جملة وتفصيلاً، بل يتناقض مع ما ذكره من كون خُلّص الأصحاب كانوا يعرفون بذلك، الّلهم إلّا أن يفترض إنّ زرارة وأضرابهم ليسوا من خُلّص أصحابهم ولا أظنّه يقول ذلك.
3ـ نحن لا نتعقّل أن يتحدّث الإمامان البّاقر والصّادق “ع” باسماء الأئمّة من بعدهم ويحدّدا شخوصهم، ومع هذا كلّه نلحظ جهل كبار فقهاء أصحابهم والمخلصين لهم والنّاقلين لرواياتهم وأحكامهم وفتاواهم بذلك؛ فإنّ جهل هؤلاء بذلك يكشف عن عدم الثّبوت؛ إذ لو كان كذلك لوجب على الإمام بيانه حيث لا طريق له للبيان غير هؤلاء الخُلّص والملتصقين به وعماد مدرسته، فهل يُعقل أن يغفلهم ويتجاوزهم ويخبر من لم يرو عنه طيلة حياته سوى بضع روايات بذلك مثلاً؟!
4ـ جميع ما تقدّم يؤكّد لنا إنّ الإمامة بصيغتها الشّيعيّة المتداولة وعرضها العريض لم تكن واضحة وجليّة عند ممثّلي أصحاب الأئمّة المتوسّطين والمتقدّمين “ع”، وإنّ ما تمّ تناقله من مرويّات لاحقة هي أشبه بالأدلّة بعد الوقوع تولّدت إثر جهود الرّواة الكلاميّة وصراعاتهم المذهبيّة خصوصاً مع تسويغ ذلك بالعناوين الثّانوية، وبالتّالي فلا حجيّة في هذه النّصوص لكي نبحث عن سعتها ودائرتها، والله من وراء القصد.