حينما تُرسل لمنطقة تكثر فيها الدّعارة والاتّجار بالبشر مثلاً، ويُطلب منك القضاء التّدريجي الممرحل على هذه الظّواهر، فأوّل شيء عليك فعله هو أن تمتنع أنت عن هذه الممارسات وتبتعد عنها، وهكذا تمنع من تؤثّر عليهم ويصغون إليك شيئاً فشيئاً… حتًى تتمكّن من سنّ قوانين وتشريعات صارمة تقضي على هذه الظّاهرة وبأقلّ الخسائر أيضاً.
لكن حينما تُغرق أنت ومقرّبوك في ممارسة هذه الأفعال حتّى الأخير، وتوسِّع من مواردها وطُرق اكتسابها وتحصيلها، وتجعلها شريعة كاملة منظّمة ومنضبطة، بل وتصيّرها كمكافأة لمن يوسّع من سلطاتك وحدودها، فلا يمكن أن يدّعي مدّع أنّك قد نجحت في مهمّتك أصلاً، بل الصّحيح أن يُقال: إنّك صحّحت هذه الممارسات وألبستها لباساً شرعيّاً.
في ضوء هذا المثال الّذي قد يُقرّب من جهة ويُبعّد من جهات أقول: صحيح أنّ الإسلام لم يؤسّس للرقّ ولكنّه شرّعه بكلّ تأكيد؛ حيث إنّ الرّسول لم يتمنّع ـ لا هو ولا خُلّص أصحابه ومقرّبيه أيضاً ـ عن ممارسة الرّق والتكسّب عن طريقه والانتفاع المادّي والجنسي منه حتّى الأخير، وعلى هذا قامت سيرة المسلمين من بعده حتّى منعت القوانين البشريّة ذلك بعد قرون، وإلّا فالشّريعة الإسلاميّة بمختلف مذاهبها وفرقها لا زالت حتّى اليوم تفتي وتقرّر جواز الاسترقاق ولم ولن تمنعه أصلاً، وما جاء في باب العتق والكفّارات إنّما هي إجراءات تأديبيّة جزئيّة وصغيرة جدّاً وليس لها نظر لإغلاق هذا الباب على الإطلاق، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.