الإجبار على المعتقدات مقولة ولّى وقتها!!

#روى شيخ الطّائفة الاثني عشريّة الطّوسي المتوفّى سنة: “460هـ”، بإسناده الصّحيح عنده، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن الصّادق “ع” قوله: «همّ رسول الله “ص” بإحراق قوم في منازلهم، كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلّون الجماعة، فأتاه رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنّي ضرير البصر، وربما أسمع النّداء، ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصّلاة معك، فقال له النّبي “ص”: شدّ من منزلك إلى المسجد حبلاً واحضر الجماعة». [تهذيب الأحكام: ج3، ص266].
#وروى الطّوسي أيضاً بالإسناد الصّحيح عنده وعندهم، عن عبد الله بن سنان، إنّه سمع الصّادق “ع” يقول: «إنّ أناساً كانوا على عهد رسول الله “ص” أبطأوا عن الصّلاة في المسجد، فقال رسول الله “ص”: ليوشك قوم يدعون الصّلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم؛ فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم». [المصدر السّابق: ج3، ص25، والأخبار في هذا المضمون مستفيضة عندهم فراجع: أمالي الصّدوق: ص485، ثواب الأعمال: ص232].
#كما روى صاحب الموطّأ المعاصر للصّادق “ع”، أعني مالك بن أنس المتوفّى سنة: “179هـ”، بالإسناد الصّحيح عنده وعندهم، عن أبي هريرة، قوله: «أنّ رسول الله “ص” قال: والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثمّ آمر بالصّلاة فيؤذن لها، ثمّ آمر رجلاً فيؤمّ النّاس، ثمّ أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والّذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنّه يجد عظماً سميناً أو مرماتين [المرماة ظلف الشّاة] حسنتين لشهد العشاء». [الموطّأ: ج1، ص127، ط الرّسالة؛ صحيح البخاري: ج1، ص131؛ ج9، ص82].
#وروى أحمد المتوفّى سنة: “241هـ”، بإسناده الصّحيح عنده والمعتبر عند غيره، عن أبي هريرة قوله: «إنّ رسول الله “ص” قال: لينتهينّ رجال من حول المسجد لا يشهدون العشاء، أو لأحرقنّ حول بيوتهم بحزم الحطب». [مسند أحمد: ج13، ص294؛ ج14، ص8، ط الرّسالة].
#وقد التزم عموم أهل السُنّة بهذه الأحاديث وما يضاهيها وانصاعوا إلى صلاة الجماعة وتركوا كلّ أعمالهم بمجرّد سماع الآذان، وتمرّد معظم الاثني عشريّة تقريباً عليها حتّى أنّك تراهم يتبضّعون في الأسواق وهم يسمعون أصوات المآذن.
#وكيف كان، يبقى السّؤال الأخلاقيّ قائماً: كيف يُمكن أن نسوّق الأخلاقيّة النّموذجيّة العظيمة لرسول الإسلام “ص” إلى العالم اليوم ونحن نروي عنه في صحاحنا: أنّه همّ بإحراق بيوت من لا يصلّي خلفه، وطلب من الأعمى أن يشدّ حبلاً ـ ولا ندري طوله ـ من بيته إلى المسجد حتّى يتمكّن من حضوره الجماعة؟! أ لا نقول للنّاس: إنّ إسلام أمّ القرى لا إكراه فيه وإنّه قد دخل القلوب لمجرّد تصوّره ولا يوجد فيه أيّ إجبار؟!
#لا يُقال كما قيل أيضاً: إنّ مثل هذه الأخبار ينبغي حملها على مجرّد التأكيد والتّغليظ؛ كي لا يتهاون النّاس بترك الجماعة وإهمالها؛ لأنّه سيُقال: أنّ هذا وإن كان ممكناً ثبوتاً، لكنّ ظاهر هذه الأخبار لا يدلّ على ذلك؛ سيّما حينما يطلب الحضور من الأعمى الضّرير الّذي لا يوجد من يعينه على الوصول إلى المسجد ومجيئه بهذه الصّورة يعرّضه للخطر، فهذا يؤكّد أنّ هذه النّصوص تحمل مراداً جديّاً يتطابق مع مرادها الّلغويّ الاستعماليّ، ولا حاجة لحملها على غيره إلّا بمعونة مقولات كلاميّة وأصوليّة فاسدة تضع النّصوص جميعها في سلّة واحدة، وهي كما ترى.
#لا شكّ في أنّ الإجبار على اعتناق المعتقدات مقولة ولّى وقتها، ولا يمكن لأيّ فكرة أو دين أن يفرض نفسه بالإجبار على النّاس مهما ادّعى لنفسه الوضوح والحقّانيّة، وما لم نغادر هذه الّلغة سيتسيّد المشهد زبانية جهنّم من جهلة القوم ويستندون إلى هذه النّصوص وأضرابها في إحراق البيوت وذبح النّاس وخطفهم وإجبارهم على مقولاتهم الاجتهاديّة الفاسدة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، وأوّل طريق المغادرة هو كسر الصّورة النّمطيّة الغارقة في المثاليّة المرسومة في الأذهان عن الزّعامات من خلال استعراض ونقل ما لم يُسمع من سيرتهم ونصوصهم لجهل أو تجهيل، وحينها ستقدّر الأمور بقدرها، وتموضع في نصابها، ويُترك الماضي لأهله، ويُفكّر بالحاضر والمستقبل بعيداً عن الصّنميّات، فليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#الرّسول_المذهبي