إمامة السّجاد “ع” الإثنا عشريّة وأدلّة ما بعد الوقوع!!

19 أكتوبر 2017
1441
ميثاق العسر

#أوضحنا فيما تقدّم الخلل المنهجي الكبير في روايات إثبات تنصيص الإمام الحسين “ع” على إمامة ولده عليّ المعروف بالسّجاد “ع”، وقلنا: إنّ هذه الرّوايات تعاني من مشكلة معرفيّة عامّة خلاصتها: عدم إمكان إثبات ما تريده إلّا بعد إثبات خصوصيّة لصاحبها، وحيث إنّ هذه الخصوصيّة لا تثبت لصاحبها إلّا بعد إثبات هذه النّصوص فيكون الأمر أشبه […]


#أوضحنا فيما تقدّم الخلل المنهجي الكبير في روايات إثبات تنصيص الإمام الحسين “ع” على إمامة ولده عليّ المعروف بالسّجاد “ع”، وقلنا: إنّ هذه الرّوايات تعاني من مشكلة معرفيّة عامّة خلاصتها: عدم إمكان إثبات ما تريده إلّا بعد إثبات خصوصيّة لصاحبها، وحيث إنّ هذه الخصوصيّة لا تثبت لصاحبها إلّا بعد إثبات هذه النّصوص فيكون الأمر أشبه بالدّور، وقد نوّهنا في نفس الوقت إنّ الطّريق الحصري المعقول لإثبات هذا التّنصيص هو نقل الثّقات من غير الأئمّة “ع” لذلك عن الحسين “ع” مباشرة تفادياً لمشكلة الإرسال، وفي هذا السّياق سننقل رواية واحدة فقط من الرّوايات الّتي أوردها الخزّاز القمّي في كتابه كفاية الأثر في النّصوص على الأئمّة الإثني عشر؛ لنعرف معاً كيفيّة تصنيع أدلّة ما بعد الوقوع:
#فقد أورد الخزّاز القمّي في باب حمل عنوان: «باب ما جاء عن الحسين “ع” ما يوافق هذه الأخبار ونصّه على ابنه علي بن الحسين “ع”» من كتاب كفاية الأثر روايات عدّة منها هذه الرّواية: «حدّثنا: محمد بن وهبان، عن أحمد بن محمد الشرقي، عن أحمد بن الأزهر، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: «كنت عند الحسين بن علي “ع” إذ دخل علي بن الحسين الأصغر فدعاه الحسين “ع” وضمّه إليه ضمّاً وقبّل ما بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلقك، فتداخلني [والحديث للرّاوي] من ذلك فقلت: بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك فإلى من؟! قال: علي ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة. قلت يا مولاي: هو صغير السن؟! قال: نعم؛ إن ابنه محمد يؤتم به وهو ابن تسع سنين ثم يطرق قال ثم يبقر العلم بقراً» [كفاية الأثر: ص235].
#وقبل أن نسجّل تعليقاتنا على هذه الرّواية نجد من الّلازم التّوقّف سريعاً أيضاً على السّيرة الّذاتيّة لراويها الأوّل تاركين الحديث عن بقيّة الرّواة؛ نقول بذلك لمعرفة حقيقته ووزنه العلمي ومذهبه لنرى هل يُعقل أن تصدر مثل هذه الرّواية عنه، أم هي من أبرز مصاديق الأدلّة بعد الوقوع الّذي لجأ إليها بعض محدّثي الشّيعة الإثني عشريّة في أواخر القرن الثّالث فما بعد؟!
#جاء في سير أعلام النّبلاء: «عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، الإمام ، الفقيه، مفتي المدينة وعالمها، وأحد الفقهاء السبعة، أبو عبد الله الهذلي، المدني، الأعمى ، وهو أخو المحدث عون، وجدهما: “عتبة” هو أخو عبد الله بن مسعود “رضي الله عنهما”، ولد في خلافة عمر أو بعيدها» [ج4، ص475]، وروي عن ابن عبد البرّ قوله: «كان أحد الفقهاء العشرة ثمّ السبعة الذين يدور عليهم الفتوى، وكان عالماً فاضلاً مقدماً في الفقه، تقيّاً شاعراً محسناً لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا ـ فيما علمت ـ فقيه أشعر منه، ولا شاعر أفقه منه» [إكمال تهذيب الكمال: ج9، ص36].
#وجاء في طبقات بن سعد بإسناده عن مالك بن أنس قوله:«جاء علي بن حسين بن علي بن أبي طالب إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشي‏ء وأصحابه عنده وهو يصلي، فجلس حتى فرغ من صلاته ثم أقبل عليه عبيد الله فقال أصحابه: أمتع الله بك، جاءك هذا الرجل وهو ابن ابنة رسول الله وفي موضعه يسألك عن بعض الشي‏ء، فلو أقبلت عليه فقضيت حاجته ثم أقبلت على ما أنت فيه؟! فقال عبيد الله لهم: أيهات! لا بد لمن طلب هذا الشأن من أن يتعنّى». [ج5، ص166]؛ ونُقل عن البخاري قوله: «مات قبل علي بن الحسين سنة أربع أو خمس وتسعين» [تهذيب الكمال: ج19، ص76].
#وبعد أن عرفنا عقيدة ومقام الرّاوي الأوّل لهذه الرّواية يحقّ لنا أن نقدّم بعض الاستفهامات والتّعليقات:
#أوّلاً: أنا لا أدري ما هو المبرّر المنطقي لكي يروي فقيه سُنّيّ يُعدّ من أهمّ فقهاء المدينة في القرن الأوّل الهجري مثل هذه الرّواية المتنافية مع عقيدته، ولا أدري أيضاً كيف يمكن التّوفيق بين ما روي عن هذا الفقيه من تعطيل عليّ بن الحسين “ع” فترة طويلة وعدم الاهتمام به وهو قاصد التّلمذة حتّى عوتب لأجل ذلك، ومع هذا كلّه يروي عن الحسين بن عليّ “ع” لإثبات إمامته بل وإمامة ولده الباقر “ع” أيضاً؟!
#وثانياً: إذا كان علي بن الحسين السّجاد “ع” ولد في سنة: “37هـ” فالمفروض إنّ هذه الحادثة قد حصلت والسّجاد “ع” لم يبلغ الحلم في أكثر التّقادير؛ وعليه: فكيف يشير الحسين إلى حفيده محمد الباقر “ع” مع إنّ ولادة الباقر كانت في سنة: “57هـ”؟!
#وثالثاً: إذا كانت الحادثة قد حصلت بعد ولادة الباقر “ع” فالمفروض إنّ السّجاد “ع” عمره أكثر من عشرين سنة؛ وهل يُستساغ أن يدعو الحسين “ع” ولده ذا العشرين سنة ويضمّه إلى صدره ويقبّله بين عينيه كما يتعامل الأب مع أولاده الصّغار؟!
#ورابعاً: إن كون عليّ الإمام أصغر من عليّ الشّهيد في كربلاء أمرٌ يتنافى مع أكثر الأخبار الدّالة على إنّ عليّ الإمام الملقّب بزين العابدين أكبر من أخيه عليّ الّذي استشهد في كربلاء كما نصّ على ذلك المجلسي في تعليقه على هذه الرّواية بعد افتراضها أمراً واقعاً. [بحار الأنوار: ج46، ص19].
#وأخيراً: ليس لديّ شكّ في إنّ مثل هذه الرّواية إنّما هُندست في سياق مقولة الأدلّة ما بعد الوقوع والّتي مُلئ كتاب كفاية الأثر منها، وقد اختير لهذه الرّواية رموز مشايخ أهل السُنّة ومحدّثيهم لتمريرها على عقول البسطاء في تلك الفترة ولا زال الهدف إلى اليوم قائماً، وإلّا فإنّ كذب هذه الرّواية ووضوح وضعها لا يحتاج إلى بيان، أجل؛ ربّما يتعقّل الشّيعي الإثنا عشري العادي مثل هذه الرّوايات في سياق مقولة الفرقة النّاجية، لكن أن يأتي رجاليّ شيعيّ إثنا عشريّ معاصر فيقرّر في ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بأنّه روى عن الحسين “ع” ما يمكن أن يكون مفيداً في إثبات عقيدته ويستند إلى هذه الرّواية فهذا من العجب العجاب!!


تنطلق إجابات المركز من رؤية مقاصدية للدين، لا تجعله طلسماً مطلقاً لا يفهمه أحد من البشرية التي جاء من أجلها، ولا تميّعه بطريقةٍ تتجافى مع مبادئه وأطره وأهدافه... تضع مصادره بين أيديها مستلّةً فهماً عقلانياً ممنهجاً... لتثير بذلك دفائن العقول...