#ربّما قرأ أحدكم المسألة: (27) من منهاج الصالحين للمرحوم الخوئي ولمن تابعه من طلّابه الأحياء والأموات [الصدر “1و2″+ التبريزي+الوحيد+السيستاني…الخ)، والتي جاء فيها: «… إذا تبدّل رأي المجتهد، لم يجب عليه إعلام مقلّديه فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد». أجل؛ قرأ هذه المسألة ويختلج في صدره هذا السؤال: تُرى ما هي الفائدة المرجوة من ذكرها في الرسالة العمليّة؛ فلا هي تخصّ المقلِّد؛ باعتباره مقلّداً لا مجال لتبدّل رأيه، ولا هي تخصّ المجتهد؛ باعتباره لا يقلّد غيره، فما هي الفائدة من ذكرها إذن؟!
#لقد وجّه بعض المقلّدين هذا السؤال إلى المرحوم الخوئي ذات مرّة فأجاب: “من ثمرة ذلك أن لو علم أحد بتبدّل رأي من آراء هذا المجتهد شفهيّاً منه #فليس له حقّ الاعتراض بعدم إبلاغ مقلديه بهذا التبدّل، لا في ضمن الرسالة، ولا غيرها، بل عليه فقط أن يعمل بالأخير إذا كان من مقلّديه، والله العالم”!! [صراط النجاة: ج3، ص: 14].
#أقول: بناءاً على هذا التنظير فإذا دعمت أحدى المرجعيّات الدينيّة قائمةً من القوائم الانتخابيّة في يوم من الأيّام، وأوصت وحثّت وأوجبت “فقهيّاً” على مقلّديها انتخاب سياسيّين منها بشخوصهم، فلا يحقّ لأحدٍ الاعتراض عليها حينما ينبو إلى مسامعه موقف آخر لهذه المرجعيّات في الأيّام الّلاحقة، فيتذمّر قائلاً: لماذا لم تُظهر هذه المرجعيّة رأيها الجديد بعبارات صريحة وواضحة وجليّة، وبنفس الآليّات السابقة التي سلكتها في بيان دعمها لها، لا يحقّ له الاعتراض لأنّ دعمها السابق لهذه القوائم وشخوصها كان منطلقاً من سياقات اجتهاديّة فقهيّة سليمة حسب رأيهم، وبالتالي: فإذا تبدّل رأي هذه المرجعيّة فلا وجوب يملي عليها إعلام مقلِّديها بهذا الرأي الجديد؛ وذلك: لأن المجتهد إذا تبدّل رأيه فلا يجب عليه إعلام مقلِّديه بذلك!!
#نعم؛ هذه هي أحدى مآسي الصناعة الفقهيّة المعاصرة في حوزاتنا العلميّة، والتي تؤصّل للتربية الأشعريّة التي تقول: لا يُسأل المرجع عمّا يفعل وهم يُسألون!! وتتنافى تمام التنافى مع الروح الأخلاقيّة للدين والعلم… نسأله تعالى أن يقيّض للحوزة رجالاً يتمرّدون بعلمٍ ودرايةٍ على موبقات هذه الصناعة وسيّئآتها، والله من وراء القصد.