#كان المفترض بجعفر بن محمّد المعروف بالصّادق أن يوجّه أصحابه وسائليه الّذين يعانون من أمراض جسمانيّة إلى المتخصّصين في هذا الميدان، ويحثّهم على مراجعتهم، ويطلب منهم الالتزام بإرشاداتهم؛ فإنّ أصل الرّجوع إلى المتخصّص في العلوم الإنسانيّة ـ وهذا قيد مهمّ ـ سيرة عقلائيّة متّفق عليها، لكنّ المؤسف أنّنا نلاحظ تحريضاً مستمرّاً من قبله ضدّهم، وتنكّراً لإرشاداتهم، بل وتلبّساً بدورهم أيضاً، وهذه معضلة كبيرة سيّما إذا ما اكتست بكساء التّقديس الدّيني الأعمى.
#وذات يوم، شكا إليه مسمع بن عبد الملك أو مالك ما يعاني منه من ألم بعد أكله الطّعام، وهذا يعني أنّه يعاني من مشاكل صحيّة في جهازه الهضمي، والمفترض به عرض حاله على المختصّين في زمانه ليمنحوه العلاج المناسب إن وجد، لكنّ الصّادق أخبره أنّ سبب ذلك يعود لعدم قوله بسم الله الرّحمن الرّحيم عند مباشرته للأكل!!
#وإلى هنا فقد تبدو الأمور طبيعيّة؛ لإيمان الصّادق الدّينيّ العميق بالأثر التّكوينيّ للتسمية في منع الأمراض والحيلولة دون وقوعها، لكنّ المفاجأة أنّ مسمعاً أخبر بأنّه يسمّي قبل بدء الأكل، ومع هذا يشعر بالألم بعدها!!
#أصرّ الصّادق على وجهة نظره أيضاً، فدخل إليه من باب آخر وقال: إذا سمّيت وأكلت وتكلّمت، فهل تسمّي مرّة ثانية حينما تعود للأكل؟! فأجابه مسمع بالنّفي، إذ من الواضح إنّ الإنسان يُسمّي في بداية الأكل، ولا يسمّي مع كلّ لقمة يأكلها وإن تحدّث أثناء الطّعام، وهنا وجد الصّادق المنفذ فقال له: قال: «فمن ها هنا يضرّك؛ أما لو أنّك إذا عدت إلى الطّعام سميّت ما ضرّك». [الكافي: ج6، ص295].
#ومن الواضح: أنّ مسمعاً لو سمّى ألف مرّة أيضاً فإنّ هذا لن يحلّ المشكلة، وعليه أن يذهب ويعالج نفسه عند المختصّ، ولا يعني هذا دعوة النّاس إلى ترك التسمية في بداية أيّ عمل يُريدون إنجازه، ولكنّ قانون الأسباب والمسبّبات هو الحاكم، ولا ينبغي إغفاله بمثل هذه المدّعيات.
#المؤسف: هذه الطّريقة من الإرشادات والتدخّلات في غير ميادين الاختصاص كثيرة جدّاً في نصوص وسيرة الأئمّة المؤسّسين، وهي الّتي أنتجت لنا ظواهر تقديس وتقليد خطيرة أودّت بحياة كثير من النّاس، بل ربّما أودت بحياتهم أيضاً، فتفطّن وضع الأمور في نصابها، والله من وراء القصد.

https://www.facebook.com/jamkirann/posts/3325367667585534