#شئنا أم أبينا فقد فرض الرّاحل الشّهيد محمّد الصّدر نفسه على شرائح واسعة من المجتمع العراقي الإثني عشريّ منذ أواسط تسعينيّات القرن المنصرم، وقد رسخ في مخيال هذه الشّرائح أنّ سماحته هو الأعلم بكلّ العلوم الدّينيّة، وقد عجز عن مجاراته عموم الفقهاء والمراجع المعاصرين له بعد أن تحدّاهم وطلب مناظرتهم، وهذا الرّسوخ لا زال حتّى اليوم عميقاً جدّاً بحيث لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة حياله، وقد تولّدت منه تيّارات وحركات سياسيّة كبيرة وواسعة، كما ظهرت حركات سلوكيّة ومهدويّة تستند إلى تراثه وسلوكه أيضاً، وأفرز أيضاً: مرجعيّات دينيّة تستلهم تعاليمها وطريقة إثبات اجتهادها وأعلميّتها بحكاية طلّاب الأعلم أعلم، وقصّة التحدّي وطلب المناظرات وما شابههما!!
#وفي الحقيقة: إنّ حالة الانجذاب نحو الدّين والمذهب الّتي ولّدها المرحوم الشّهيد في تلك المرحلة لا يمكن إنكارها، وكيف وقد سقاها بإخلاصه وحرصه ودمه أيضاً، وهذا ما لا نريد الحديث عنه، لكنّ ما يهمّنا وبشدّة أيضاً من خلال سلسلة نقدنا لتراثه المسموع والمقروء هو: أن ننبّه هذه الشّرائح ـ ولا أقل الطّبقة المثقّفة منها ـ إلى أنّ نجاح تجربته الاجتماعية الدّينيّة في حينها لا يدلّ ـ ولو بنسبة واحد في المئة ـ على ثبوت أعلميّته على عموم مجايليه وأساتذته الأموات أيضاً، بل ولا على ما هو أدنى من ذلك بمراتب أيضاً؛ فلا ملازمة ولا لزوم في البين كما لا يخفى على ذي مسكة.
#ولهذا فإنّ حكاية أعلميّة سماحته لا تستند إلى دليل إثباتيّ سليم يبرّرها على الإطلاق بل الدّليل قائم على عدمها وزيادة أيضاً، وأنّ عزوف الفقهاء والمراجع عن مجاراته لا يعود إلى عجزهم عن ذلك بالمُطلق؛ بل هو عائد لأسباب متنوّعة ومعروفة لا حاجة لذكرها، وهي مسألة واضحة وجليّة جدّاً في الأوساط الحوزويّة، ولأجل هذا لا ينبغي صناعة تابوهات مغلوطة في ميدان العلم، وذبح المعرفة وأدواتها عن طريقها، وعلى النّاس أن تطوّر لياقاتها وقابليّاتها العلميّة لتعرف أنّ العلم لا يُعرف بادّعاء الرّجال، وإنّما عن طريق مقولات معرفيّة معروفة لا يمكن الالتفاف عليها ولا ادّعاء توفّرها من غير دقّة وعمق واستيعاب وشمول، وعلينا أن نكسر هذا الطّوق الحديديّ الوهميّ المفروض على تراث سماحته وألقابه العلميّة؛ لأنّ كسره يعني ركوب جادّة العلم بشكل صحيح؛ فالعلم لا يعرف جغرافيا ولا حدود، ومن هنا بدأنا مشوار نقد تراثه، وليُتأمّل كثيراً كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر