أبو الحسن الوزير وأبو الحسن الإمام!! الحلقة الرّابعة والأخيرة

#نقلنا فيما سبق من مقالات مثالاً بارزاً شاخصاً عن أخطاء الخلط بين كنية الإمام وكنية الرّاوي، والّتي خلط بينهما مدوّنو التّراث الإثني عشريّ الإماميّ وهم يكتبون موسوعاتهم الحديثيّة والفقهيّة، وقد أفضنا في شرح وجهة نظر المرحوم البهبوديّ وطرحنا تعميقات لها في نفس الوقت، وفي هذا السّياق أجد من المناسب أن نتوقّف في آخر حلقات هذه السّلسلة على النّتائج العقديّة والرّجاليّة والفقهيّة الإثني عشريّة الّتي رتّبها الأعلام على هذه الرّواية، وسنقصر الحديث على بعضها فنقول:
#الأوّل: جعل صاحب كتاب كامل الزّيارات الرّواية كأوّل رواية في الباب الثّاني والتّسعين من كتابه والّذي حمل عنوان: “الباب الثاني والتّسعون: أن طين قبر الحسين‏”ع” شفاء و أمان‏»، ومع اتّضاح كون أبي الحسن فيها هو ابن يقطين لا الرّضا ع فسوف يتجلّى حينذاك التّساهل الكبير في تمرير النّصوص الرّوائيّة.
#الثّاني: ذهب المرحوم الأردبيلي المعروف بالمقدّس إلى إنّ في الرّواية محلّ البحث فوائد، من قبيل «استحباب جعل تربة الحسين “ع” في المتاع لحفظه وإنّه [التّراب] أمان؛ واستحباب إخراج الحجّة لمن كان حيّا وتعدّدها؛ وجواز الطّلاق غائباً؛ وعدم اشتراط الخلوّ عن الحيض حينئذ حيث ترك؛ وجواز العمل بالخطّ مع الرسول؛ و قسيم المال على مقتضى الكتابة والتصرف في مال الغير؛ بل عدم الاحتياج إلى صيغة للحجّ فيصح جعله؛ وعدالة الجماعة إن اشترط في الأجير للعبادات العدالة؛ ويشعر باشتراط العدالة في الطّلاق وصلة الرحم بالمال وإيصال المال إلى المحتاجين وتمتيع المرأة…». مجمع الفائدة: ج9، ص503]، وحيث إنّك عرفت حقيقة الرّواية وصاحب الرّسالة فسوف تنهار جميع هذه الفوائد الّتي رتّبها الأردبيلي وغيره عليها أيضاً.
#الثّالث: حكى الأعرجي في عدّة الرّجال [ج1، ص393]؛ والمامقاني في تنقيح المقال [ج3، ص258] والخوئي في معجمه عن المرحوم الأردبيلي قوله: «أنّ في هذه الرّواية شهادة على عدالة هؤلاء جميعاً، فتأمّل». [ج20، ص70]، ويبدو لي إنّ هذه العبارة مستفادة من عبارته في مجمع الفائدة آنفة الذّكر، وقد نصّ الخوئي في مقام تعليقه على تأمّل الأردبيلي المحكيّ عنه قائلاً: «أقول: إنّ تأمله في محله، والوجه فيه ظاهر»، وبعد أن عرفت حقيقة أبي حسن في الرّواية وإنّه ابن يقطين لا الرّضا “ع” فيظهر لك إنّ التأمّل في تأمّلات المرحوم الأردبيلي والخوئي في محلّه أيضاً.
#الرّابع: في مقام تعليقه على الرّواية محلّ البحث نصّ المرحوم النّوري في خاتمة المستدرك قائلاً: «والسّند وإن انتهى إليه [أي محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيّ]، لكن بعد وثاقته وعدالته لا يقدح في التّمسك به للمطلوب من أنّه كان في عصره [الرّضا] “ع” قابلاً لإرسال المال إليه مع كثرته، فإنّه كان للمرأة ثلاثمائة دينار، وللحجّة مائة، وللصلة ما لم يذكر قدره، فكيف يكون صغيراً والإمام “ع” يستنيبه للحج عنه؟ ويرسل نفقة النائبين الآخرين إليه، وأحدهما مثل يونس؟ ويرسل إليه صلات أهل بيته وصلات الفقراء؟ ويوكّله في طلاق زوجته؟ وفي هذه الأمور من الدّلالة على علوّ شأنه وجلالة قدره ورفعة مقامه فضلاً عن عدالته وثقته ما لا يخفى». [ج4، ص147]، وبعد أن تبيّن من هو أبو الحسن في الرّواية يتّضح الحال في جميع ما ذكره المرحوم النّوري من تفريعات ونتائج.
#الخامس: في تعليقته على فتوى المرحوم صاحب العروة في اشتراط البلوغ في نيابة الحجّ على المشهور ولا تصحّ نيابة الصّبي نصّ المرحوم محسن الحكيم قائلاً: «هذا من القطعيّات التي اتّفقت عليها الفتاوى والنّصوص، وهي في الواجب كثيرة… وفي المندوب أيضاً كثيرة؛ ففي صحيح محمد بن عيسى اليقطينيّ، قال: «بعث إليّ أبو الحسن الرضا “ع” رزم ثياب…». [المستمسك: ج11، ص3]، كما علّق المرحوم عبد الأعلى السّبزواري على نصّ صاحب العروة القائل بجواز النّيابة في الحجّ المستحبّ عن الحيّ قائلاً: «نصّاً وإجماعاً؛ ففي صحيحة ابن عيسى: بعث إليّ أبو الحسن الرّضا ع رزم ثياب…». [مهذّب الأحكام: ج2، ص232]، وهذان الأمران عائدان إلى عدام اكتراث المرحومين بالبحث الرّجالي للأسف الشّديد.
#وفي الختام: يمكن للباحث أن يلتمس آثاراً جمّة لهذه الرّواية في موروثنا العقائديّ والفقهيّ فضلاً عن الرّجالي، لكنّي اقتصرت على بعضها لأضع بين يدي المتابع الجادّ صورة مختصرة من أزمات حسن الظّن بالأكابر الّتي لا تولّد سوى التّقليد المكعّب المتوارث كابراً عن كابر، فتأمّل كثيراً، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر