#أحد أهمّ الأدلّة الّتي نسوقها لمختارنا القاضي بـعدم اهتمام السّماء بتحويل المادّة القرآنيّة الصّوتيّة ـ والّتي نزلت أو صدرت في فترة نيّفت على العشرين سنة ولأسباب جملة منها آنيّة ـ إلى مادّة مكتوبة مقروءة، فضلاً عن نيّتها لتحويلها إلى دستور دينيّ دائميّ لعموم البقاع والأصقاع هو: أنّ بعض المفردات المتوافرة في نسخة القرآن المتداولة لا تحمل معنى واضحاً محدّداً بحيث تستطيع السّماء محاججة وإلزام المكلِّف بها ما لم يستعن بمجموعة من العُدد الّلغويّة والكلاميّة والأصوليّة والفقهيّة… إلخ والّتي تحتاج بدورها إلى عشرات العِدد لتسويغها، وهذا الأمر لا يختصّ بالمكلِّف العادي لكي يُقال: إنّ وظيفته الرّجوع إلى المكلِّف المختصّ ليوضحّ له الحقيقة؛ وذلك لأنّنا لو سلّمنا جدلاً بثبوت مثل هذه الوظيفة، إلّا أنّ هذه الأزمة المتقدّمة يعاني منها من يُسمّونه مختصّاً أيضاً، ويضطرّ في جملة من الأحيان إلى الاستناد إلى الظّنون وإعمال الاحتياطات للخروج من هذا المأزق، فإذا كان الأمر كذلك فمثل هذه الشّواهد تؤكّد مختارنا في عدم الاهتمام وتؤيّده.
#وفي ضوء هذا الأصل الأصيل نتساءل: إذا كانت السّماء مهتمّة ومكترثة جدّاً بتحويل المادّة القرآنيّة الصّوتيّة إلى مادّة مكتوبة ومن ثمّ إقرارها كدستور دينيّ دائم لعموم بني البشر في جميع البقاع والأصقاع حتّى نهاية الدّنيا، فما بالها لم تختر المفردة الواضحة والجليّة لإيصال مُرادها ولو على مستوى كتابتها وقراءاتها أيضاً ومن ثمّ الحكم الفقهيّ المستنبط منها، وإذا كانت المسألة في بعض تجلّياتها مرتبطة بفقدان الخطوط العربيّة علامات التّشكيل والتّرقيم حينها فجوابه: إنّ هذا يؤكّد مبنانا في عدم اهتمام السّماء بكتابة النّصوص القرآنيّة ودستوريّتها الدّائميّة؛ لأنّ العقل المزوّد بأبسط مقوّمات المعرفة الأوّليّة يحكم بقبح إلزام البشريّة بمرجعيّة نصّ مذبذب لا مرجّح فيه، وعلى صاحبه إذا ما أراد محاسبة مخاطبيه ومعاقبتهم لمخالفتهم مضامينه أن يقدّم نصّاً واضحاً جليّاً لا سترة فيه، وحينذاك يحسن العقاب على مخالفته.
#وصفوة القول: إنّنا إذا أردنا أن نتحدّث بلغة صريحة ربّما فنقول: هذه ليست مشكلة البشر المخلوقين بل مشكلة الخالق؛ فمن يُريد العقاب فعليه بيان الدّليل بأنصع العبارات الّتي يتمكّن نوع مخطابيه من فهمها، وأنّ العقاب على عدم الالتزام بنصّ يحمل مشاكل من هذا القبيل ولم يثبت اهتمام السّماء بكتابته قبيح ومشكل جدّاً، كما لا دليل على ضرورة الاحتياط بأخذ أحوط الأقوال؛ لأنّ هذه عناية زائدة تحتاج إلى مزيد بيان ولم يثبت، كما أنّ الاحتياط متعذّر في أطراف بعضها لتقاطعها، فتأمّل كثيراً وسنعمد لتعميق هذه الفكرة أكثر وأكثر بذكر نماذج تطبيقيّة، والله من وراء القصد.
#ميثاق_العسر
#القرآن_البعدي